وقد أكثر الفروعيون هنا من الأقسام والتناويع بما يحير العقول، ويشتت الأذهان ويشق في التكليف، ويخرج المسائل عن سماحة ويسر وسهولة الشريعة المنصوص عليها قطعيا (هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)(الحج: ٧٨)، (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)(البقرة: ١٨٥).
وحاصل أحكام الكتاب والسنة في الحيض والنفاس ما ذكرته، وما رامه أصحاب الفروع من عجائب التقاسيم هو تعسير على الخلق.
وتسهيل السهل تعسير له، ومن أصول الشريعة (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ)(ص: ٨٦).
وأما حج المرأة: فالمرأة إذا حجت البيت الحرام صنعت كما يصنع الرجل في المناسك إلا أنها لا تلبس الإحرام الذي للرجل، بل تحرم في ملابسها ولا تلبس القفازين، ولا ما مسه ورس أو زعفران ولا تنتقب، وهذا تخفيف عليها، وإذا حاضت أو نفست صنعت كل مناسك الحج إلا الطواف بالبيت والصفا والمروة للنص في الحائض «اصنعي ما يصنع الحاج غير ألا تطوفي بالبيت»(١).
فإذا طهرت طافت.
وإذا كان الحج يقتضي سفرا فلا بد لها من محرم لما سبق.
فإن لم تجد محرما سقط عنها الوجوب، إلا أن تجد رفقة مأمونة من نساء ثقات مع محارمهن الثقات كما أفتى به مالك والشافعي في مسألة الحج.
وللمرأة أن تتناول دواء يمنع حيضها زمن الصوم والحج، لأن الحكم الشرعي يتعلق بوجود سببه، وهو هنا نزول الدم، ولم يوجد فبقيت على أحكام الطهارة، ولا ينظر الشرع إلى ما وراء ذلك من سبب قطع الدم، ولعدم المانع الشرعي عن ذلك.
(١) - أخرجه البخاري برقم ٣٠٥ عن عائشة، قالت: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم لا نذكر إلا الحج فلما جئنا سرف طمثت فدخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي فقال ما يبكيك قلت لوددت والله أني لم أحج العام قال لعلك نفست قلت نعم قال فإن ذلك شيء كتبه الله على بنات آدم فافعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري. وهو في صحيح مسلم برقم ٢٩٧٦ قال «إن هذا شيء كتبه الله على بنات آدم فاقضي ما يقضى الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تغتسلي». قالت وضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه بالبقر.