هذا من الجانب السياسي، أما من الجانب الإنساني فعلى الدولة أن توفر العمل المعيشي، أو تطعم الناس، أو تعتزل، وهذا مما قرره عمر كما في البخاري (١).
وعلى الدول عامة أن تتعاون في إيجاد سوق العمل المعيشي؛ لأن هذا من الحق الإنساني المشترك العام؛ لأن الله وضع الأرض للإنسان ككل، يشترك فيها الجميع في حق المعيشة بالفرض الإلهي السنني (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)(الزخرف: ٣٢)، ويقول (وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ* فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الأَكْمَامِ)(الرحمن: ١٠ - ١١).
فهي موضوعة على الاشتراك الإنساني العام في ضروريات وحاجيات المعيشة.
وقد كان الخلفاء يسهلون للتجار دخول بلاد الإسلام من كافة الديانات والجنسيات، حفاظا على مردوده المصلحي العام في السوق، ومن أهم ذلك تشغيل العاطلين؛ مما يوفر المعيشة للشعب. وكلما زادت فرص العمل المعيشي زادت المصالح العامة للإنسان، والوطن، والدولة، والعالم أجمع.
ولا يجوز للدولة أن تمنع الناس من دخول بلادها بحثا عن العمل المعيشي؛ لأنه منع من حق مشروع مباح إلهي (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)(الملك: ١٥). ويجوز لها اتخاذ إجراءات تنظم ذلك من غير تعنت بشروط ونظام يخدم المصالح الإنسانية والمصالح العامة.
ويجب على دول العالم التعاون في إرساء هذه الحقوق لعموم قوله تعالى (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ)(المائدة: ٢).
والتعاون على الإثم والعدوان محرم على الناس جميعا، ومقابله مشروع، وهو التعاون على المصالح ودفع المضار.
ولقوله تعالى (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)(الممتحنة: ٨)، ومن البر والقسط التعاون على تسهيل ما يقيم البر والقسط من وسائل العمل المعيشي.