للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكيف بمنع ما هو من ضرورات وحاجات المجتمع الإنساني، خاصة وهو بمعاوضة لا تبرع.

وحق الأجر العادل مرعي شرعاً: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل: ٩٠).

وهذا نص عام يدخل فيه ضبط سياسة الأجور؛ فيجب فرض أجر عادل، ويحرم الغبن الفاحش؛ لأنها معاوضة، والغبن الفاحش فيه ضرر فاحش وظلم، وهو محرم يوجب بطلان الأجرة هذه، وفرض أجرة عادلة مماثلة لمثله سواء كان كافرا أو مسلما؛ لمعاملة الشرع يهود خيبر بشطر ما يخرج منها، وهو ما كان يتعامل به المجتمع من المسلمين وغيرهم آنذاك (١).

وحق التنقل لكل إنسان في عموم الأرض مكفول: سياحةً وبحثا ونظرا وتعلما ومعيشة، وأي مصلحة معتبرة لا ضرر منها على الآخر (قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (العنكبوت: ٢٠).

(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا) (محمد: ١٠).

فالسير في الأرض حق إنساني مشترك عام لا يحق لأي دولة أو جهة منعه عن شخص إلا بمبرر معتبر كالضرر؛ لأن الضرر يزال، ولا ضرر ولا ضرار، وهي ضرورة تقدر بقدرها.

ولا يجوز الخضوع لأي إملاءات من دول مهيمنة تفرض عرقلة السير المباح في الأرض والتنقل على جنس معين أو اتباع دين معين بغيا وعدوانا وتعنتا.

لأن هذا حق إنساني من خالق الإنسان والأرض، ولا ينزع هذه الهبة إلا هو، ولكن الضرورات الضارة تقدر بقدرها العادل (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) (البقرة: ١٧٣).

فشرط في الاضطرار عدم البغي والعدوان، وأكثر العرقلة على أهل الإسلام في حركتهم الإنسانية الدولية على الكوكب هو من البغي والعدوان والعدائية الدينية (حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ) (البقرة: ١٠٩).

فإذا حصل ذلك العدوان فقد شرع الله رد العدوان بالمثل (وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ) (البقرة: ١٩١).


(١) - قولنا «آنذاك»، أي معاملة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل خيبر، والحديث في صحيح مسلم برقم ٤٠٤٨ عن عبدالله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر وأرضها على أن يعتملوها من أموالهم ولرسول الله صلى الله عليه وسلم شطر ثمرها.

<<  <  ج: ص:  >  >>