إن أصحاب المصانع والشركات الذين يشغلون اليد العمالية أصل عمل الطرفين العامل وصاحب العمل مباح مشروع.
فإذا حصل تلف للعامل في عضو ووقع عليه الضرر في عمله فلا يخلو من ثلاث صور:
الأولى: عدم ارتكاب غيرمأذون فيه فتثبت هنا الإباحة التامة من كل الجهات، فالعامل محسن غير مسيء، وصاحب العمل محسن غير مسيء، فآلاته مصونة لا يمكن أن يترتب عليها ضرر في الأصل.
ففي هذه المسألة لا ضمان على صاحب العمل؛ لأنه محسن (وَأَحْسِنُوَا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)(البقرة: ١٩٥)، و (هَلْ جَزَاء الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ)(الرحمن: ٦٠)، وتضمينه إساءة.
أما العامل فهو محسن كذلك والله يقول (هَلْ جَزَاء الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ)(الرحمن: ٦٠)، فقطع يده بحادث في المصنع مثلا مع إحسانه في مسالك الأمان والعمل يقتضي الإحسان إليه بالأمر.
ويكون الإحسان ممن أحسن إليه العامل وهو صاحب العمل، فحصل تبادل الإحسان من الطرفين، فالعامل لا يُضمِّن صاحب العمل بقصاص ولا دية، فيجب هنا مبلغ مالي مقابل الضرر تعاونا لا ضمانا، والتعاون على البر والتقوى واجب في الجملة إحسانا لأمر الله به، وتسميته تعويضا لا ضمانا؛ لأن الضمان يوجب كمال العِوض المقدر شرعا من أرش الجناية بخلاف التعويض فهو قائم على الصلح والبر.
الحالة الثانية: إن كان الإحسانُ من صاحب العمل بسلامةِ آلاته وغلبة أمان استعمالها لكن قصر العامل فأدخل نفسه في محل لا يمكن دخوله إلا بتلف شيء منه، فهنا لا ضمان، والعامل ملق بنفسه إلى التهلكة ويندب التعاون في التعويض.
الحالة الثالثة: ثبوت الإحسان من العامل بِسَيْرِه بإتقان وأمان في عمله بلا مخالفة ولا تفريط، ووقع الخلل من جهة صاحب العمل بتقصيره باتخاذ إجراءات السلامة لعماله بحيث يكثر أو يمكن لأجل التقصير في الصيانة من حدوث إتلاف، أو ضرر على عامل سببه ترك الصيانة قطعا أو غلبة.