للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذْ الملك للأرض يسري على ظاهرها وباطنها بالعادة الجارية المستمرة العامة المقرة (وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ) (الطلاق: ٦).

ومن ادعى عدم دخول باطن الأرض في البيع عاد قوله بالضرر الفاحش على المشتري؛ لأن الانتفاع بظاهر الأرض لا يتم إلا بباطنها من حرث، وتقليب، وحفر آبار، وأساسات بناء، ونحو ذلك.

وله أن يبني طوابق سفلية تحت الأرض ما شاء إلا ما استثني دفعا للضرر عن الغير.

ومن استخرج معدنا من أرضه ملكه، سواء كان المعدن المستخرج مسبوكا، أو نقدا من ذهب أو فضة، أو كنزا؛ لحديث البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: اشترى رجل من رجل عقارا له فوجد الرجل الذي اشترى العقار في عقاره جرة فيها ذهب فقال له الذي اشترى العقار خذ ذهبك مني إنما اشتريت منك الأرض ولم أبتع منك الذهب وقال الذي له الأرض إنما بعتك الأرض وما فيها فتحاكما إلى رجل فقال الذي تحاكما إليه ألكما ولد قال أحدهما لي غلام وقال الآخر لي جارية قال: أنكحوا الغلام الجارية وأنفقوا على أنفسهما منه وتصدقا (١).

وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم دليل على أن الأرض تملك بما فيها؛ لأن الحكم بإنفاقه على ولديهما لا يكون إلا عن ملك، ولا بد أن يكون لأحدهما ولا يكون إلا المشتري (٢)؛ لأنه لو كان للبائع لكانت لمن قبله ممن كان مالكا للأرض بشراء أو إرث أو غيرهما من طرق الملك، حتى لو كان بإحياء لكانت كنزها صدقة عامة؛ لأن الأرض قبل الإحياء ملك عام.

ويدل على أن كنز الأرض لمالكها قوله تعالى (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا) (الكهف: ٨٢).

فدل على أن من ملك الأرض ملك كنزها، وكل ما في القرآن فهو شريعة لنا إلا ما ثبت


(١) - البخاري برقم ٣٤٧٢ ومسلم برقم ٤٥٩٤.
(٢) - قولنا «إلا المشتري» ويكون حينئذ ما أعطاه لابن الآخر هبة، وصح الحكم بينهما على هذا الوجه صلحا، والصلح خير.

<<  <  ج: ص:  >  >>