للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اختصاصه بأمة سبقت، ولم يثبت هنا خلاف ما في الآية ولا الحديث، فدل على الإقرار على الأصل (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) (الأنعام: ٩٠).

فإن ادعى البائع أو شخص آخر ملكية الكنز أثبت دعواه ببينة عادلة مطلعة على أمره عالمة بصفة الكنز بما لا يدع مدخلا للشك في صدقهم.

وهل يكفي المدعي أن يذكر وصف الكنز من نحو عدد ونوع وأمارات لا يمكن أن يطلع عليها إلا مالك؟ احتمال إن ألحقناه باللقطة كونه مالا ضائعاً بنسيان محله، أو جرف سيل له في حادثة كفيضانه على محلة، أو على مجتاز في مجراه فتفلَّت عليه الكنز ونحو ذلك.

وأما إن كانت الأرض عامة غير مملوكة فلكل أحد حق التعدين فيها، ويملك ما أخذ بالحيازة والقبض، فإن كنزا فهو لمن وجده، ويملكه بالحيازة، ومن ادعاه أثبت كما مر.

ويجوز للدولة تنظيم التعدين الشعبي بما يعود بالنظر المصلحي؛ لأن لها النظر المصلحي على الناس لا منعه؛ فإنه مضارة لما وضعه الله للانتفاع (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً) (البقرة: ٢٩).

وإن كان المنع لمصلحة معتبرة أعم جاز كما فعل عمر في الحِمَى، وهو في البخاري (١).

أما الثروة النفطية والغازية: فهي ملك للشعب. والدولة نائبة عنهم في ذلك؛ لأن هذا هو النظر المصلحي العام للأمة، ولا يتملكها فرد أو جماعة من دون عامة الناس؛ لما في ذلك من الضرر الفاحش على عامة الشعب. والضرر مدفوع وجوبا، خاصة العام.

ولأن الله يقول (كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء مِنكُمْ) (الحشر: ٧).

فَقُصِدَ شرعا عَدَم الاستحواذ على الثروة من فئة.

وأظهَرُه في حال استئثار فئة بملكية هذه الثروة الكبرى فهي أولى بمنع الاستحواذ عليها من الملح الذي نزعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن كان ملّكه لشخص، وجعله للناس كافة (٢).

ويجوز في حالات جعل البئر النفطية والغازية ملكا لمن هي في أرضه؛ لأنه الأصل، إذ هي


(١) - أخرجه البخاري برقم ٢٣٧٠ عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الصعب بن جثامة قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا حمى إلا لله ولرسوله. وقال بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى النقيع، وأن عمر حمى السرف والربذة.
(٢) - تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>