كما تغتفر تلك الجهالات التفصيلية فيما سبق، ولأنها جهالة لا تؤدي إلى ضرر ولا خصومة على الطرفين.
وأعظمُ دليلِ مَنْ مَنَعَها جَعْلُها عقدا قديما كالقرض، ثم إنزال أحكام القرض عليه.
وهذا خطأ فقهي أثر على الاستنباط والاجتهاد حتى في العقائد؛ إذ هرب فريق إلى التأويل أو التعطيل؛ لأنهم ألزموا أنفسهم تشبيه الصفات الرحمانية بالصفات المخلوقة؛ فأوجبوا القياس فيما لا يجب، وكذلك هنا لا يوجد نص لا يبيح العقود إلا إذا خرجت على عقد مسمى فقهي، بل جعل الشرع الأصل الإباحة التجارية العامة؛ ثم فرض ركن الرضى، وامتناع موانع محددة إن خلا عنها العقد فهو شرعي صحيح.
فكل عقد تجاري في العالم أصله إلى يوم القيامة (إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ)(النساء: ٢٩)، (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)(البقرة: ٢٧٥).
فإذا وجد مانع شرعي وهو أحد الخمسة الموانع اليقينية حرم، ولا يحرم حتى يكون المانع موجودا يقينا أو قريبا منه، وقد بينا ذلك فيما مر.
وإذا أردت أن تعرف حكم أي عقد شرعا، فهب أنه مباح على الأصل ثم اعرضه على الموانع الشرعية؛ فإن سلم بقي على يقين الإباحة.
وأما عقود التسويق والوساطة التجارية والدعاية والإعلان فلا غبار على جوازها؛ لأنها إجارة على عمل معين، فإن اقترنت بصناعة الإعلان ومواده مع نشره وتوزيعه والترويج له فهو عقد جامع لمعان كعقد الصناعة والإجارة، وهو صحيح على الأصل، ولعدم الموانع، ولا حاجة لتخريجه على الإجارة أو الوكالة أو الاستصناع حتى يحل؛ لأنها عقود تفتقر إلى الدليل وليست هي الدليل.
فإن كان مفوضا بالبيع فهو وكيل بأجرة، ويجوز أن يجمع بين التسويق ووكيل البيع