للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمقصود بها أكثر التجارات العادية اليومية التي تدور بين الخلق بيعاً وشراءً، ولو لم يرد هنا الاستثناء لوجب كتابة كل البياعات التجارية البسيطة الدائرة في الحاجيات اليومية، ولو محقرا، ولأدى هذا إلى التعذر وشدة الضيق والحرج على الناس في أرزاقهم، وللزم وجود شهود وكاتب على وجه الدوام في كل محل تجاري ولتعذرت التجارات التي يدور عليها رزق الخلق، وما عسر خرج عن مقصود الشرع في التيسير، فبطل.

ولا يكون الإشهاد شرطاً في البيع إلا فيما لا يتم إلا به عادة وعرفا، كبيع العقارات والسيارات.

وكل ما قضى العرف والعادة بالطعن في العقد لأجل الشهود فالإشهاد فيه ركن أو شرط لا يتم العقد إلا به؛ لأن العادة محكَّمة، والعرف معتبر (وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) (الأعراف: ١٩٩)؛ ولأن دفع وسائل ضياع الأموال واجبة؛ فإن كان لا يتم الحفظ إلا به فهو واجب ركني أو شرطي كالإشهاد في البيعات التي لا يعترف بنفاذها وصحتها عرفا وعادة وقضاء إلا بها.

ولورود «البينة على المدعي واليمين على المنكر» (١).


(١) - قلت: حديث «البينة على المدعي .. » حديث حسن صحيح وثبوته متواتر معنى. وفيه أحاديث منها ما أخرجه الترمذي برقم ١٣٤٢ عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن اليمين على المدعى عليه. قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه.
ومن ذلك حديث عند الترمذي برقم ١٣٤٠ عن وائل بن حجر عن أبيه قال: جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال الحضرمي: يا رسول الله، إن هذا غلبني على أرض لي. فقال الكندي: هي أرضي وفي يدي ليس فيها حق. فقال النبي صلى الله عليه وسلم للحضرمي: ألك بينة؟ قال: لا. قال: فلك يمينه. قال: يا رسول الله، إن الرجل فاجر لا يبالي على ما حلف عليه وليس يتورع من شيء. قال: ليس لك منه إلا ذلك. قال: فانطلق الرجل ليحلف له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لما أدبر لإن حلف على مالك ليأكله ظلما ليلقين الله وهو معرض». قلت: هذا حديث صحيح على شرط مسلم. قال الترمذي وفي الباب عن عمر وابن عباس وعبدالله بن عمرو والأشعث بن أبي قيس. قال أبو عيسى حديث وائل بن حجر حديث حسن صحيح. قلت: وعند ابن ماجة برقم ٢٣٢٢ عن الأشعث بن قيس، قال: كان بيني وبين رجل من اليهود أرض، فجحدني، فقدمته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل لك بينة؟ قلت: لا، قال لليهودي: احلف. قلت: إذا يحلف، فيذهب بمالي، فأنزل الله سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً) إلى آخر الآية. قلت: هذا على شرطهما.

وعند الترمذي برقم ١٣٤١ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته: البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه. قلت: إسناده فيه العزرمي، وهو ضعيف والحديث صحيح من غيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>