للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما من أطلق القبض في كل شيء كالشافعي، أو القبض في المنقول كأبي حنيفة، فالأدلة لا تساعدهم على ذلك وأقوى ما استدلوا به «لا تبع ما ليس عندك»، و «نهى عن ربح ما لا يضمن»، وقد ورد الخلاف القوي في صحتهما، وهما بعد التسليم بصحتهما لا يدلان على المطلوب لكثرة الاحتمالات الواردة في تفسيرهما مع تكافئ الاحتمالات قوة مما يجعلهما غير قويين في الاستدلال بهما على اشتراط القبض لا رواية ولا دراية، وتكليف العالمين في مسألة كهذه تواترت حاجة الناس في معاملاتهم إليها بمثل هذا يكفي في رده (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (الحج: ٧٨).

والحرج المترتب على اشتراط القبض في غير الربويات كثير جدا خاصة في عصرنا هذا الذي توسعت فيه المعاملات التجارية بما لم يكن يخطر على بال مجتهد حتى ينظر فيه.

وأما ما ذهب إليه الإمام أحمد من اشتراط القبض في المكيلات والموزونات من الطعام فهو أخص من اشتراط القبض في الطعام بإطلاق والقول فيه كالقول المتقدم.

وأما من اشترط المكيل والموزون بإطلاق كأبي عبيد وإسحاق، أو المكيل والموزون والمعدود كابن حبيب وعبدالعزيز بن أبي سلمة وربيعة، فقولهم إنما هو بالتسليم في أن علة الربويات هي هذه، أو بأحاديث خاصة دلت على أن ما يكال ويوزن لا بد من قبضه، ولا توجد أحاديث تدل على أن ما يكال ويوزن لا بد فيه من التقابض إلا إن بيع بالكيل أو بالوزن المعين فلا يقبضه المشتري إلا بإعادة الكيل أو الوزن من قبله، وهذا هو معنى حديث «حتى يجري فيه الصاعان» لا أن الشرط هو القبض.

فهذه سبعة مذاهب في المسألة ولا يصح منها سوى ما نصت عليه الأحاديث الصحيحة الصريحة وأجمع عليه العلماء أن القبض مشترط في الربويات الستة وفي الصرف، وكم تشدد أقوام في عصرنا تقليدا فمنعوا كثيرا من أنواع المعاملات التجارية في البورصات والبنوك والشركات والمؤسسات بسبب اشتراطهم القبض في كل شيء تبعا لإمام مع أن في قول غيره من الأئمة تيسير يوافق أصول الشرع ونصوصه ومحل الإجماع (١).


(١) - قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي ١ - ١٧٤ - (١/ ٨١)
قرار رقم: ٥٣ (٤/ ٦) بشأن القبض: صوره وبخاصة المستجدة منها وأحكامها =

<<  <  ج: ص:  >  >>