أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (المائدة: ٣٣).
وإنما قلنا «بالاختيار»؛ لأن «أو» في النص تقتضي ذلك.
وقلنا «المصلحي أو المعادل لفعله»؛ لاحتمال النص، فإن أمكن الجمع بين الاحتمالين في الحادثة كان أجمع للمراد من دلالة النص، وإن لم يمكن فينظر إما بالمصلحة بحسب اقتضاء الحادثة أو ينظر بجنايته المعادلة لما في النص من قتل أو سرقة وغيرهما.
وأما السرقة فحدها (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (المائدة: ٣٨)، وهو عادةً: مَنْ أَخَذَ مالاً للغير محرزا.
ولا قطع عندي إلا بما كان يعدل نصف الدية؛ لأن الله جعل مقابل اليد المال المكسوب والباء ليست سببية وإلا لجاز في أدنى شيء، بل هي للمعادلة والمماثلة كقوله تعالى (جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (السجدة: ١٧)، و (ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ) (الأنعام: ١٤٦).
فلم يعاقب الله بمجرد أي ظلم بل بما يقابل استحقاق العقوبة.
ولا أعلم حديثا صحيحا صريح الدلالة يحدد النصاب، مما أدى إلى اضطراب أقوال العلماء، ما بين قاطع بأدنى شيء وما بين محدد على خلاف بينهم، فتبقى المعادلة إلى القضاء مع جواز إسقاطه بعفو صاحب المال، إلا إن ثبت القطع بتأويل حديث «هلَّا كان قبل أن تأتوا إليّ».
وثبوته يقينا يكون بإثبات أنه صلى الله عليه وسلم قطع السارق في تلك الحادثة مع تنازل المسروق منه؛ لأن هذا التنازل شبهة قوية، والحدود تدرأ بالشبهات.
ولأن الله شرع التنازل في القصاص في النفس فما دون قصاصا، ودية؛ وقتل الأنفس أعظم من باب السرقة فكيف لا يصح التنازل.
فالظاهر أن قوله صلى الله عليه وسلم «هلا قبل أن تصلوا إليّ» إنما هو دلالة على ما كان الأصل سترا عليه لا أنه دلالة على أنه نفذ الحد. ولأنه الآن في موضع تدفع الحدود فيه بالشبهة بإجماع، وهذه أقواها، لأن العفو أسقط حد القصاص في النفس وفي العضو، فأولى منه إسقاط حد القطع بالعفو؛ لأنه إذا أثر في النفوس ففي الأموال أولى.
فيلحق حد السرقة بغيره من الحدود في هذه القاعدة.