للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولنبدأ بالسوم فنقول:

ضمان السوم يكون بتلف السلعة في يد المشتري حال المساومة، فالواجب فيها القيمة لا المثل؛ لأنها موضوعة في السوق على ذلك أي: بيعها بالقيمة؛ ولأن العادة التجارية جرت على هذا والعادة محكمة؛ فلا يكلف المثل ولو كانت السلعة مثلية، إلا في غير المعروض للبيع كمن أتلف مالا لآخر غير معروض للبيع بعمد أو بخطأ، لأن المقصود منه اقتناؤه، فيكلف بالمثل ثم القيمة عند التعذر، ودليل الضمان قوله تعالى (لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) (النساء: ٢٩)، وحديث «طعام بدل طعام وإناء بدل إناء» (١)، وحديث «إن أموالكم عليكم حرام» (٢).

ووجه الاستدلال بالآية تحريم أكل المال بالباطل، والباطل هو ما لم يكن بعوض أو برضا من غير عوض كهبة، والإتلاف في حال السوم وغيره ليس بمعاوضة ولا هبة، فإن أهدرناه صار إتلافا لأموال الناس بالباطل فوجب ما كان له من العوض في المعاوضة الصحيحة المماثلة أو القيمة، ولأن الله أمر بالمثل في جزاء الصيد وأحال في التقدير بالحكم على عدلين.

ومقصد الشريعة حفظ الأموال، والضمان للمتلفات خادم أصيل لهذا المقصد؛ لأن عدم التضمين ينقض مقصد الشرع في الحفظ، ويؤدي إلى إهدار حرمة الأموال وأكلها بالباطل وهذا خلاف النصوص والمقاصد.

وإنما يكون الضمان بالعدل والإحسان لعموم (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ) (النحل: ٩٠)، فمن أتلف حال المساومة التجارية ضمن الثمن؛ إذ هو مقصود التجارة؛ ولأنه محل اتفاق البائع والمشتري؛ إذ الأول لا يريد من التجارة إلا تحصيل أثمانها. والثاني إن أبى كلف بالمثل المطابق، وأدى ذلك إلى شرائه لها من آخر بثمن، فرجع الأمر إلى دفع الثمن فيدفعه أولا.

هذا عند التشاحن والتشاح؛ فإن تراضيا على الثمن أو المثل جاز؛ لأن مقصود الشرع حفظ الأموال وعدم الإضرار، وقد تحقق.

ويحكم بينهما عدل عارف بالثمن، أو القيمة السوقية إن اختلفا؛ فإن لم يرض البائع بالثمن


(١) - تقدم تخريجه.
(٢) - تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>