للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فحمل الشيخ كلام المصنف هنا على أنه مقصود به الإشارة إلى الإعمال وعدمه ولا شك أن الذي ذكره الشيخ مسألة برأسها وحكم مستقل، وهو أنه من أجاز كذا فهو لكذا أجوز، وهذا لا منازعة فيه.

وأما أن المصنف أراد ذلك فنحمل كلامه عليه، فلم يتجه لي لا من حيث اللفظ ولا من حيث المعنى: أما اللفظ فلأن كلام المصنف الآن هو في التقديم لا في الإعمال لأنه بعد ذكره المصدر، وأنه يؤتى به بدلا من الفعل، وأنه يلغى وجوبا قال: ويقبح تقديمه. ولا شك أن هذا مع كونه ملغى، ثم قال: ويقل القبح في كذا، فوجب أن يحمل على المراد، ويقل القبح في التقديم، لأن الكلام فيه، لا على أنه يقل القبح في العمل، لأن العمل لم يتقدم له ذكر، بل الذي ذكره إنما هو وجوب الإلغاء فمن أين يفهم أن المراد ويقل القبح في الإعمال. وأما من حيث المعنى فلأن تقدم «متى» على الفعل في نحو: متى تظن زيد ذاهب، إنما هو مسوغ للإلغاء الذي كان ممنوعا لو لم يتقدم شيء (١)، وتقديم «متى» في نحو متى ظنك زيد ذاهب على ما حمل الشيخ عليه كلام المصنف إنما هو مسوغ للأعمال، وإذا كان كذلك فكيف يصح التنظير.

وإذا تقرر هذا البحث فالذي يتعين حمل كلام المصنف عليه أن الذي قصده بالتنظير أن تقديم «متى» في نحو: متى تظن زيد ذاهب أخرج تظن عن كونها صدرا فجاز إلغاؤها هكذا التقديم [٢/ ١٩٠] في متى ظنك زيد ذاهب أخرج المصدر عن أن يكون صدرا فجاز ذكره متقدما على الجزأين وقد كان قبيحا أي ممتنعا أو جائز على قبح، فقل القبح.

ومما يؤيد البحث المتقدم أن هذا المصدر لم يكن ممتنع الإعمال لكونه متقدما صدرا فيجوز إعماله إذا تقدمه شيء يخرجه عن كونه صدرا بل إنما امتنع إعماله للأمر الذي تقدم ذكره (٢)، وإذا كان امتناع إعماله لذلك فلا فرق بين أن يكون -


(١) هذا على مذهب البصريين أما الكوفيون والأخفش فقد جوزوا الإلغاء إذا تقدم الفعل على المفعولين ولم يتقدمه شيء، لكن الإعمال عندهم أرجح. ينظر شرح الألفية للمرادي (١/ ٣٨٠)، واللمع لابن جني (ص ١٣٦)، والفصول الخمسون (ص ١٧٥)، وشرح الجمل لابن عصفور (١/ ٣١٤).
(٢) وهو أنه نائب عن الفعل فانتصب انتصاب المصدر المؤكد للجمل فيجب إلغاؤه ويقبح تقديمه، لأن ناصبه فعل تدل عليه الجملة كما يقبح تقديم حقّا من قولنا: زيد قائم حقّا.

<<  <  ج: ص:  >  >>