للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الحالتين؛ كذلك يكون الذنب في الحالتين منصوبا؛ ولا يكون منصوبا في أحدهما مجرورا في الآخر؛ فإذا دخل حرف الجر، دل على تضمنه معنى ما يتعدى بحرف الجر؛ فكأنك قلت: استتبت الله من ذنبي أو سألته النجاة منه، قال: ولذلك لا يجوز الاقتصار على المنصوب بعد إسقاط «من»، لا تقول: استغفرت ذنبي، حتى تذكر المستغفر المسؤول منه التوبة والنجاة من الذنب (١) انتهى.

والذي ذكره وبحثه حسن وهو الظاهر، وقد كان في النفس من هذه المسألة شيء فانجلى بالوقوف على كلام هذا الرجل، وقد نازع الناس السهيلي في هذه الدعوى فقالوا: هذا الذي قاله السهيلي لا يلزم؛ إذ العرب تقول: استفهمت زيدا عن المسألة، وتقول: فهمني زيد المسألة، فاستغفرت الله من الذنب كاستفهمت زيدا عن المسألة ولم يجئ

مجيء استطعمت، فلا يلزم من سين الاستفعال أن يتعدى الفعل بها إلى ما كان يتعدى إليه قبل دخولها (٢)، قالوا: ويقطع ببطلان مذهبه أن سيبويه نقل أن بعض العرب، يقول: استغفرت الله ذنبي، والجميع يقولون: استغفرت الله من ذنبي (٣)، فلو كان الأصل أن يتعدى بنفسه؛ لكثر ولقل تعديته بمن (٤).

وأقول: للسهيلي أن يقول: إن استفهمت زيدا عن المسألة ضمن معنى سألت؛ لأن المستفهم سائل؛ فكأنه قال: سألت زيدا عن المسألة، لكن السؤال قد يكون سؤال مستفهم، وقد يكون سؤال غير مستفهم، فأتى باستفهمت وجرّ المفعول الثاني؛ لإفادة أن المتكلم بذلك سأل زيدا عن المسألة مستفهما، وأما كون جميع العرب يقولون: استغفرت الله من ذنبي؛ فقد يقال في جوابه بأن الفروع قد تفوق الأصول في الاستعمال، ثم المسوغ لكثرة استعمال الفرع هنا دون الأصل: أن أصل الفعل الذي هو «استغفر» يكون حينئذ مضمنا معنى طلب.

ولهذا قال السهيلي: وكأنك قلت: «استتبت الله من ذنبي، أو سألته النجاة منه، ولا شك أن العبد مطلوب منه أن يكون طالبا للخروج من الذنب [٢/ ٣١٩] والتوبة منه.

ومنها: أن ابن عصفور ذكر في هذا الباب مسألة، وهي أن الفعل المتعدي إذا -


(١) ينظر: نتائج الفكر للسهيلي (ص ٣٣٢، ٣٣٣).
(٢) ينظر: حاشية الصبان (٢/ ٩٦، ٩٧).
(٣) ينظر: الكتاب (١/ ٣٨).
(٤) ينظر: الهمع (٢/ ٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>