للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الثاني:

قال ابن الحاجب - في شرح المفصل (١) -: إذا قلت: ضربته تأديبا، فالتأديب سبب الضرب؛ فإن قلت: كيف يكون الضرب سببا لشيء، وذلك الشيء سبب له؟ فإنا نقطع بأن الضرب سبب للتأديب؟

فالجواب: أن التأديب له جهتان: هو باعتبار أحدهما سبب، والآخر مسبب، فباعتبار عقليته ومعلوميته، وفائدته سبب للضرب، وباعتبار وجوده مسبب للضرب، فالوجه الذي كان به سببا غير الوجه الذي كان به مسببا، وإنما يتناقض أن لو كان سببا مسببا بشيء واحد من وجه واحد، وكل فعل هو سبب لوجود أمر، فإن معقولية ذلك الأمر سبب للإقدام على الفعل، كقولك: أسلم تدخل الجنة، فالإسلام سبب لدخول الجنة، ومعقولية دخول الجنة وفائدته سبب الإقدام على الإسلام، وكقولك: ابن بيتا تستظله، فالبناء سبب الاستظلال، ومعقولية الاستظلال هو الحامل

على البناء (٢)، وقال في شرح المقدمة: وقد توهم بعض النحويين أن المفعول من أجله مسبب عن الفعل نظرا إلى مثل: ضربته تأديبا، وأسلمت لدخول الجنة، ومشبهه [٢/ ٣٩٥]، فإن الضرب سبب التأديب والإسلام سبب لدخول الجنة، وليس بمستقيم؛ لأنه قد ثبت قولهم: قعدت عن الحرب جبنا، ونظائره، ولا يستقيم أن يقال: القعود سبب الجبن بوجه، ويستقيم (٣) أن يقال: التأديب هو السبب الحامل على الضرب، وإذا استقام ذلك وجب رد الجميع إليه (٤). انتهى.

وإذا تأملت ما قاله علمت أن كلامه في شرح المفصل أنصع من كلامه في شرح المقدمة، والذي قاله لا يخفى وجه صحته، فإن التأديب هو الغاية المطوية، وقد قال أرباب المعقول: إنّ العلة الغائية علة في الذهن ومعلولة في الخارج، فعبر ابن الحاجب عن هذا المعنى بقوله: إن التأديب له جهتان: هو باعتبار أحدهما سبب والآخر مسبب؛ فأورد معنى ما قاله أرباب المعقول بعبارة يستعملها النحاة وغيرهم كيلا -


(١) انظر: الإيضاح في شرح المفصل لابن الحاجب (١/ ٣٢٥). تحقيق موسى العليلي.
(٢) انظر: شرح المقدمة الكافية لابن الحاجب (ص ٤٩٤١) تحقيق د/ جمال مخيمر.
(٣) في (ب): (ومستقيم).
(٤) شرح ابن الحاجب على كافيته (١/ ٢٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>