للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

زمانا (١)، ومن الناس من لم يقدر ذلك، وجعل «أن» مع صلتها مصدرا يراد به الزمان بمنزلة خفوق النجم ومقدم الحاج، فقال ابن عصفور: القول الأول أحب إليّ؛ لأنهم لا يقولون: مذ الصباح إلا قليلا، فالأولى أن لا يجروا بها «أنّ» التي تتقدر بالمصدر (٢)، ثم يكون ذلك المصدر زمانا. انتهى.

ولا يخفى ضعف هذا الذي ذكره؛ لأن نيابة المصادر عن ظروف الزمان قد ثبتت كثيرا في كلام العرب، ولا فرق بين المصدر المؤول [٢/ ٤٤٦] والمصدر الصريح في ذلك.

ومنها: أنهما إذا وقع بعدهما الزمان ووقع بعد الزمان فعل، وجب أن يكون ذلك الفعل ماضيا، فلا يقال: ما رأيته مذ زمن يقوم أمس، ولا ما رأيته مذ زمن يقول غدا، أما الأول فلتنافر ما بين يقوم وأمس، وأما الثاني فلأن معنى الكلام على المضي، ولا يقع المضارع موقع الماضي إلا في مواضع محفوظة، فإن جئت بالمضارع غير معمل في شيء جاز، ويكون على حكاية الحال نحو: ما رأيته مذ زمن يقوم، تريد مذ زمن كان فيه يقوم، أما إذا دخلتا على الفعل مباشرة، فلا بد أن تكون الصيغة ماضية فتقول: ما رأيته مذ قام، ولا يجوز مذ يقوم، قال: وعلة ذلك أن الفعل إذا وقع بعدهما فلا بد من تقدير زمن محذوف، فهو مجاز، فكرهوا أن يكون ثم مجازان حذف الزمان وحكاية الحال (٣).

ومنها: أنك إذا أوقعت بعدهما الليالي فإن الأيام داخلة معها؛ فإذا قلت:

ما رأيته مذ ليلتان كنت فاقدا له ليلتين ويومين، وهو قد انقطعت رؤيته مثلا في عشية يوم الجمعة ثم اتصل ذلك إلى عشية يوم الأحد؛ لأن العرب كنّت بالليالي عن الأيام ولم تفعل ذلك بالأيام، فإذا قلت: ما رأيته مذ ثلاثة أيام، أمكن أن يكون انقطاع الرؤية في ليلتين، لأنها لم تكنّ عن الأيام إلا بالبياض (٤). انتهى.

وقد تعرض الشيخ في شرحه إلى ذكر شيء آخر غير ما ذكره ابن عصفور، فتركت إيراده خشية الإطالة مع أنه لا يتعلق به كثير فائدة (٥)، وكذا تركت من -


(١) ينظر: المقتصد شرح الإيضاح (ص ٤٢٦)، والإيضاح للفارسي (١٣١، ١٣٢).
(٢) شرح الجمل لابن عصفور (٢/ ٤٤).
(٣) شرح الجمل لابن عصفور (٢/ ٤٥).
(٤) شرح الجمل لابن عصفور (٢/ ٤٥)، وينظر: المقرب (١/ ٢٠٢).
(٥) ذكر أبو حيان في ختام حديثه عن مذ ومنذ ثماني مسائل زاد فيها على ما ذكره ابن عصفور هنا بعض الأشياء. ينظر: التذييل (٣/ ٣٥٤ - ٣٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>