للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ما رأيته مذ يوم الخميس، ويوم الجمعة اقتضى أنك لم تره في يوم الجمعة، فلا فائدة في قولك بعد ويوم الجمعة، وإن عطفت ماضيا على حال لم يجز، فلا تقول: ما رأيته مذ يومنا ويوم الجمعة ولا عكسه؛ لأن «مذ» إذا دخلت على الحال كانت بمعنى «في»، وإذا دخلت على الماضي كانت بمعنى «من» فهما مختلفان، وإذا اختلفا امتنع العطف، فإن قيل: فهل يجوز النصب على إضمار فعل؟ فالجواب أن يقول:

إن تقدم الحال جاز، وإن تقدم الماضي لم يجز، ألا ترى أنه سائغ أن تقول: ما رأيته مذ يومنا ويوم الجمعة على تقدير: وما رأيته يوم الجمعة، ولا يسوغ أن تقول: ما رأيته مذ يوم الجمعة ويومنا؛ لأن قولك: يوم الجمعة يقتضي أنك رأيته في أوله وانقطعت الرؤية إلى زمن الإخبار، فلا فائدة في قولك: ويومنا إلا أن يكون من باب قوله تعالى:

فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (١).

ومنها: أنهما لا يدخلان إلا على الزمان كما تقدم ذكر ذلك، فإن دخلا على غيره فمؤول، ولا يدخلان منه إلا على المعدود أو معرفة، فلا يجوز: ما رأيته مذ حين، ولا مذ زمان، ولا مذ وقت، بخلاف مذ الليلة ومذ اليوم، ولا يجوز مذ الليل ولا مذ النهار؛ لأنّ النهار عبارة عن الضياء والليل عبارة عن الظلام، وذلك لا يحصل شيئا، فإن قيل: ألم يجز سيبويه: سرت الليل تريد ليل ليلك، والنهار تريد نهار نهارك؟ (٢) فهلا أجزتم مذ الليل ومذ النهار على هذا المعنى؟

فالجواب: أن ذلك لا يتصرف و «مذ» توجب التصرف لما تدخل عليه، لأنها ترفعه أو تجره (٣).

ومنها: أنهما لا يجران الصباح والمساء إلا قليلا؛ لأن الصباح والمساء اسما مصدر، والأصل الإصباح والإمساء، وهاتان الكلمتان إنما يدخلان على الزمان، والصباح والمساء وإن استعملا في الزمان ليس ذلك لهما بطريق الأصالة فلذلك لا تدخل عليهما مذ ومنذ في الغالب، نعم إذا استعملا مرادا بهما الزمان جاز دخول «مذ ومنذ» حينئذ، هذا معنى كلامه (٤)، ومن هنا نشأ بحث وهو أنك إذا قلت:

ما رأيته مذ أن الله خلقني، فإن الفارسي يقدر زمانا محذوفا؛ لأن (أن) ليست -


(١) سورة الرحمن: ٦٨. شرح الجمل لابن عصفور (٢/ ٤١ - ٤٣).
(٢) ينظر: الكتاب (١/ ٢١٨).
(٣) شرح الجمل لابن عصفور (٢/ ٤٣).
(٤) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (٢/ ٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>