له فنسب إليه العلم مجازا (١)، لكن قد تقدم تقرير ما يقتضي أن واو «مع» غير واو العطف وهو أن واو العطف إنما هي لتشريك الثاني مع الأول في الحكم، وأما واو «مع» فلا تقتضي تشريكا، وإنما هي للدلالة على المصاحبة لا غير، فقد لا يكون الثاني مشاركا للأول نحو: سرت والطريق، وقد يكون مشاركا نحو: جئت وزيدا، لكن الواو لا دلالة لها على ذلك إنما جيء بها لقصد الدلالة على المصاحبة فقط ولم تقصد الدلالة على المشاركة، ولا شك أن هذا يبعد أن يكون العطف هو الأصل في ذا الباب، فإن قيل: قصد المصاحبة بالواو لا ينافي في كونها واو العطف في الأصل فما وجه تبعيده؟
أجيب بأن يقال: إن سلمنا ذلك فأي ضرورة تدعو إلى القول به [٢/ ٤٨٨] فإن المعنى المراد من العطف مع قصد
المصاحبة ممتنع كما عرفت، وليس المفعول معه محتاجا في تصوره إلى أن يقدروا واوه واوا عطفت في الأصل.
وأما ما استدل به من الأمور الثلاثة المتقدمة فلا حجة فيه:
أما الأمران الأولان وهما أن الواو لو لم تكن عاطفة لكانت مختصة، فكان يلزم خفض الاسم، وأنها لو لم تكن عاطفة لجاز تقدم ما بعدها على الفعل، لكنه ممتنع كما يمتنع مع العاطفة، فقد تقدم من كلام المصنف ما هو الجواب عن الأول وهو قوله: إنها إنما لم يجر ما بعدها؛ لأنها أشبهت الواو العاطفة لفظا ومعنى فلم تعط عملا، بل أعطيت ما للعاطفة من إيصال عمل ما قبلها إلى ما بعدها، لكن لا على سبيل الإتباع، وكما أن هذا جواب عن الأمر الأول فهو جواب عن الأمر الثاني أيضا، وهو أنها لما أشبهت العاطفة منعت التقدم على الفعل كما أن العاطفة ممنوعة من ذلك.
وأما الأمر الثالث وهو أنه لا يجوز أن تستعمل واو المعية إلا حيث يجوز العطف فلا يتوجه دليلا؛ لأن هذا هو محل النزاع، فالمخالف لا يلتزم ذلك ويجوز الاستعمال حيث لا يصلح العطف، وأما جوابهم عن نحو: استوى الماء والخشبة، وما زلت أسير والنيل، وأنت أعلم ومالك بأن العطف إن لم يصح في هذه الأمثلة حقيقة فإنه يصح مجازا - فغير مرضي إذ لم يقم دليل يوجب المصير إلى ذلك، ولا يخفى بعد -