للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والثالث: أنّ (كآفة) حال من (الناس)، والأصل: للناس كافة، أي:

جميعا، وهذا هو الصحيح، وهو مذهب أبي علي وابن كيسان، أعني تقديم حال المجرور بحرف، حكاه ابن برهان وقال: وإليه نذهب، كقوله تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ و (كآفة) حال من (الناس،) وقد تقدم على المجرور باللام، وما استعملت العرب (كافة) قط إلّا حالا. كذا قال ابن برهان (١)، وكذا أقول (٢).

ولا يلتفت إلى قول الزمخشري [والزجاج. أما الزمخشري] (٣) فإنّه جعل (كافّة) صفة، ولم تستعمله العرب إلا حالا، وهذا شبيه بما فعل في خطبة المفصل من إدخال باء الجرّ عليه، وإضافته، والتعبير به عمّا لا يعقل (٤).

وليته إذ أخرج (كافة) عن استعمال العرب سلك به سبيل القياس، بل جعله صفة لموصوف محذوف، لم تستعمله العرب مفردا ولا مقرونا بصفة - أعني إرساله - وحق الموصوف المستغني بصفته أن يعتاد ذكره مع صفته قبل الحذف، وأن لا تصلح الصفة لغيره، والمشار إليه بخلاف ذلك فوجب الإعراض عمّا أفضى إليه.

وأمّا الزجاج فبطلان قوله بيّن أيضا؛ لأنّه جعل (كافّة) حالا من مفرد ولا يعرف ذلك في غير محل النزاع، وجعله من مذكر مع كونه مؤنثا، ولا يتأتّى ذلك إلا بجعل تائه للمبالغة وبابه مقصور على السماع، ولا يأتي غالبا ما هي فيه إلّا على أحد أمثلة المبالغة كنسّابة، وفروقة، ومهذارة، وكافة بخلاف ذلك، فبطل أن تكون منها، لكونها على فاعلة، فإن [حملت على راوية] (٥) حملت على شاذ الشاذ؛ لأنّ لحاق تاء المبالغة [لأحد أمثلة المبالغة] (٦) شاذ، ولما لا مبالغة فيه أشذّ، فيعبر عنه بشاذ الشاذ، والحمل على الشاذ مكروه، فكيف على شاذ الشاذ.

وإذا بطل القولان تعيّن الحكم بصحة القول الثالث، وهو أن يكون الأصل: وما أرسلناك إلا للناس كافة [٣/ ٧٠]، فقدّم الحال على صاحبه مع كونه مجرورا. ومن أمثلة أبي علي في التذكرة: «زيد خير ما تكون خير منك» على أنّ المراد: زيد خير -


(١) ينظر: شرح اللمع لابن برهان (١/ ١٣٧، ١٣٨).
(٢) القائل هو ابن مالك فهذا نصه وكلامه.
(٣) تكملة من شرح المصنف (٢/ ٣٣٧).
(٤) حيث قال: «ولقد ندبني ما بالمسلمين من الأدب إلى معرفة كلام العرب ... لإنشاء كتاب في الإعراب، محيط بكافة الأبواب ...» المفصل (ص ٥).
(٥)،
(٦) تكملة من شرح المصنف (٢/ ٣٣٨)، سقطت من المخطوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>