للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لا يكونان إلّا بما ثبت، واستمرّ. ولهذا لا يقال: نعم الرجل أمس ولا نعم الرجل، غدا. بقي أن يقال: فما المراد بالإنشاء؟ إن أريد به ما يقابل الخبر - كما صرح بذلك بعض العلماء - أشكل الأمر؛ لأنّ نحو: نعم الرجل زيد، وبئس الرجل عمرو، يقبل التصديق والتكذيب، والإنشاء لا يقبل ذلك وإن أريد به غير ذلك فلا بأس، لكن [٣/ ٩٠] يحتاج إلى معرفته، ولم يظهر لي ما هو على التحقيق (١) نعم قد يدّعى أن المراد بالإنشاء هنا الحال، وليس المراد بالحال ما يقابل الماضي والمستقبل، بل المراد بها الأمر الدائم المستمرّ كما تقدّم تقديره.

وهذا كما يقال في الصفة المشبهة: إنّ معناها الحال أي: الزمن الحاضر، وليس المراد به إلا الدوام والاستمرار. أمّا قوله: على سبيل المبالغة فالمراد به أنّ نحو: «نعم الرجل فلان» هو الغاية في المدح، و «بئس الرجل فلان» هو الغاية في الذّمّ، ولهذا قال المصنف - بعد أن ذكر المبالغة -: وربّما توهّم غير ذلك، وذكر الحكاية عن شريك، إلا أنّ في قوله: على سبيل المبالغة نظرا؛ لأنّ ذلك يقتضي أنّ المبالغة حصلت من قائل: «نعم الرجل فلان»، ولا يلزم من ذلك أن يكون المذكور مستحقّا لما مدح به، والأولى العدول إلى عبارة الزمخشري فإنّه قال: إنّ (نعم) وضعت للمدح العامّ، يعني المدح لا خصوصيّة فيه؛ لأنك إذا قلت: نعم الرجل زيد فقد مدحته مطلقا من غير تعيين خصلة

معينة مدحته بها، وكذلك الكلام في (بئس) فهي للذّمّ العامّ أي لذمّ لا خصوصية فيه، فإذا قلت: «بئس الرجل فلان» فقد ذممته مطلقا من غير تعيين خصلة معينة ذممته بها، والمراد أنّك في المدح مدحته من كلّ الوجوه وفي الذّمّ ذممته من كلّ الوجوه (٢).

ومما يحقق لك أنّ قول الزمخشريّ أنّ هذين الفعلين للمدح العام والذّمّ العام أولى وأتمّ من قول المصنف: على سبيل المبالغة - ما ذكره بعض النحاة (٣) وهو أنّ هذين الفعلين قد خالفا سائر الأفعال الموضوعة للمدح والذّمّ؛ لأن كلّ فعل استعملته لجهة من المدح كان مقصورا عليها لا يتعدّى إلى غيرها، وكذلك الذّمّ نحو: «كرم الرجل -


(١) لعل المراد بالإنشاء - وهو ما لم يظهر للعلامة ناظر الجيش - إحداث وحصول المدح بـ (نعم) والذمّ بـ (بئس) بعد أن كانتا في أصل وضعهما (نعم، وبئس) للدلالة على النعمة والبؤس. ينظر: شرح الألفية للشاطبي (٤/ ٢) رسالة.
(٢) ينظر: المفصل بشرح ابن يعيش (٧/ ١٢٧).
(٣) يقصد العبدي كما في التذييل والتكميل (٤/ ٤٤٨) رسالة.

<<  <  ج: ص:  >  >>