وينوى له مبتدأ يكون هو خبرا عنه، فإذا قلنا: زيد نعم الرجل، كان التقدير: زيد نعم الرجل زيد، أي: هو زيد، فـ (زيد) الثاني هو المخصوص، وهو خبر مبتدأ مقدّر، وعلى هذا لا يكون (زيد) الذي ذكر أولا هو المخصوص، وقد قدّم، وإنّما هو دالّ على المخصوص المقدّر، هذا الذي فهمته من قوله: وإن ذكر، وقدّم، والجملة واحدة.
ولو لم يكن مراده ذلك فأيّ فائدة لقوله: والجملة واحدة، فإن قيل: يدفع أن يكون هذا مراده أنّه قد أبطل قول من يقول: إنّ المخصوص في نحو قولنا: نعم الرجل زيد خبر مبتدأ محذوف، وما قررته يلزم منه القول بذلك، فكيف تقرر كلام الرجل على وجه هو لا يراه صحيحا؟ أجيب عن ذلك: بأنّه في نحو: «نعم الرجل زيد» يجعل (زيد) هو المبتدأ والجملة المتقدمة هي الخبر وإذا أمكن جعله مبتدأ مؤخرا، وما قبله خبر عنه، فأيّ حاجة تدعو إلى أن يجعل خبرا لمبتدأ محذوف لو سلّم ما يمنع ذلك؟ فكيف وقد ذكر أنه له موانع؟! أما في نحو قولنا: زيد نعم الرجل، إذا
قدرنا المخصوص، وجعلناه محذوفا، فرّبما يتعذر جعله مبتدأ، مخبرا عنه بما قبله لأنّه لا معنى لقولنا:«زيد نعم الرجل» إلا: زيد نعم الرجل. و «زيد نعم الرجل» كاف في المقصود، فلا فائدة في تقدير مبتدأ آخر، هو بلفظ المبتدأ الموجود.
أو يقال في الجواب: لا يلزم من كون المصنّف لا يرى ذلك أعني كون المخصوص، في قولنا:«نعم الرجل زيد» خبر مبتدأ مقدّر أن يمتنع رأينا، كيف وهو قول النحاة قاطبة؟ فليكن كون المخصوص المذكور مؤخرا خبر مبتدأ محذوف أمرا مقبولا معمولا به.
البحث الثاني:
قد عرفت قول المصنّف بعد أن مثل بـ:«نعم الرجل زيد»، و «بئس القرين عمرو» وإذا كان مذكورا هكذا، يعني المخصوص، حيث يذكر مؤخرا [٣/ ١٠٤] فهو مبتدأ، مخبر عنه بما قبله، من الفعل والفاعل، ولا يضر خلوّ الجملة من ضمير يعود على المبتدأ؛ لأنّ الفاعل هو المبتدأ في المعنى، فلم يحتج إلى رابط؛ إذ هو مرتبط بنفسه، كما لم يحتج إلى رابط؛ إذا كانت الجملة نفس المبتدأ في المعنى نحو:«كلامي الله ربّنا». وهذا منه يقتضي أنّ الرّبط في هذا التركيب ربط بالمعنى، والمعروف أن سيبويه لا يجيزه، ولم يعرف من المصنف التصريح بجوازه، -