للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

التعجب دالّا على المبالغة والمزيّة استغني عن توكيده بالمصدر، وكذلك أفعل التفضيل، وعلى ذلك نبهت بقولي: (ولا يؤكد مصدر فعل تعجّب ولا أفعل تفضيل)، انتهى كلام المصنف رحمه الله تعالى، وهو كلام من زرق التوفيق وهدي في أداء مقاصده السنية إلى أحسن طريق ولنتبعه بذكر أمرين:

أحدهما: أنّ ابن عصفور حدّ التعجب بأنه استعظام زيادة في وصف الفاعل خفي سببها، وخرج بها المتعجب منه عن نظائره، أو قلّ نظيره (١) فذكر الاستعظام تنبيها على أنّ التعجب لا يجوز من الله، والتعجب الوارد في القرآن الكريم مصروف إلى المخاطب (٢)، أما ذكر الزيادة، وكون الوصف لفاعل فسيأتي التعرض لها في كلام المصنف، وأما ذكر خفاء السبب فقال هو في شرحه: إنّ التعجّب لا يكون إلا من خفيّ السّبب؛ ألا ترى أنّ الإنسان لا يعجب إلا ممّا كان يعلمه ولا يقدر وقوعه، فيتعجب كيف وقع مثله، وأمّا ذكر خروج المتعجّب منه بالزيادة عن نظائره، وأن يقلّ نظيره، فقال في شرحه أيضا: الزيادة المستعظمة في وصف الفاعل لا يتعجب منها إلا إذا بلغت هذا المبلغ.

الثّاني: أنّ ابن عصفور أيضا وهو يذكر الصيغتين اللتين هما: ما أفعل، وأفعل به قال: إلا أنّ فيها خلافا، منهم من ألحقها بباب التعجّب، كالأخفش ومن معه ومنهم من ألحقها بباب «نعم» ثم صحح أنها من صيغ التعجّب قال: بدليل أنّ العرب لا تبني الفعل الثلاثي على «فعل»، وتضمنه معنى المدح أو الذّمّ، إلّا بشرط أن يكون ذلك الفعل يمكن

التعجب منه بقياس، قال: ولو لم يكن معناه التعجب لما لزم ذلك فيه، إلّا أنّ منهم من يجريه مجرى «نعم»، رعيا لما تضمنته من معنى المدح أو الذّم، ومن ذلك قوله تعالى: كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ (٣)، وهذه الآية الشريفة على حدّ: نعم رجلا زيد، ومنهم من لا يجريه مجرى «نعم»؛ -


(١) ينظر: هذا التعريف في: المقرب (١/ ٧١)، وهو بحروفه - كما هنا - في الشرح الكبير (١/ ٥٧٦) بتحقيق أبو جناح، والتذييل والتكميل (٤/ ٥٩٩).
(٢) في التذييل والتكميل (٤/ ٥٩٥): (لا يجوز - يعني التعجب - من الله تعالى؛ لعلمه بجميع الأمور سبحانه تعالى فلا يتأثر بشيء؛ لأنه قديم لا يقبل الحوادث) اهـ.
(٣) سورة الكهف: ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>