للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«أفعل»، كقوله تعالى: أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ (١) فعلم بذلك عدم صحة الدعوى المذكورة، ومما يدلّ على عدم صحتها أنّ من الضمائر ما لا يقبل الاستتار، كـ «نا» من نحو: أكرم بنا، وأحلم بنا؛ لأنّ «نا» لا تقبل الاستتار، والمقبول إنّما هو:

أكرم، وأحلم، ونحو ذلك (٢)، كما قال الراجز:

٢٠٧٥ - أعزز بنا واكف إن دعينا ... يوما إلى نصرة من يلينا (٣)

وقد يتوهم أنّ «أفعل» خوطب به المصدر على سبيل المجاز، كأنّ من قال:

أحسن به، قال: يا حسن به، فلهذا لزم الإفراد والتذكير، أشار إلى هذا أبو علي في البغداديات، منفرا منه، وناهيا عنه (٤)، ومما يبين فساده أنّ من الضمائر المصوغ منها «أفعل» ما لا يكون إلّا مؤنثا، كالسهولة والنجابة، فلو كان هذا الأمر على ما توهمه صاحب الرأي لقيل في أسهل به، وأنجب به: أسهلي، وأنجبي به، لكنّه لم يقل؛ فصحّ بذلك فساد ما أدّى إليه (٥)، ولشبه «أفعل» بفعل الأمر جاز أن يؤكد بالنون كقول الشاعر:

٢٠٧٦ - ومستبدل من بعد غضبى صريمة ... فأحر به من طول فقر وأحريا (٦)

وهذا من إلحاق شيء لمجرد شبه لفظيّ، وهو نظير تركيب النكرة مع «لا» الزائدة، لشبهها بـ «لا» النافية للجنس، ونظيره زيادة «أن» بعد «ما» الموصولة، لشبهها بـ «ما» النافية (٧)، وقد تقدم الاستشهاد على ذلك، ولما كان فعل -


(١) سورة مريم: ٣٨.
(٢) في التذييل والتكميل (٤/ ٦٢٨): (ولأنّ من الضمائر ما لا يمكن استتاره، نحوا ضمير المتكلم، تقول: أكرم بي، وأعزز بنا، فلو حذف الباء وحدها لقيل: أكرمنا، وأعززنا، ولم يقل، إنما قالوا:
أكرم، وأعزز؛ فدل ذلك على أنّ المحذوف هو حرف الجر، ومعموله).
(٣) البيت من الرجز، ولم ينسب لقائل معين.
والشاهد فيه قوله: «واكف»؛ حيث حذف المتعجب منه بعد «أفعل» والتقدير كما ذكر: واكف بنا.
ينظر: الشاهد في: شرح المصنف (٣/ ١٣٧)، ومنهج السالك (ص ٣٧٣)، والدرر (٢/ ١٢٠)، والتذييل (٤/ ٦٢٧).
(٤) ينظر: منهج السالك (ص ٣٧٣)، وشرح التسهيل للمرادي (١٩٠ / أ).
(٥) ينظر: شرح المصنف (٣/ ١٣٨).
(٦) سبق تخريج هذا الشاهد.
والشاهد هنا قوله: «أحريا»؛ حيث أكد «أفعل» بنون التوكيد.
(٧) ينظر: شرح المصنف (٣/ ١٨٣) والتذييل والتكميل (٤/ ٦٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>