للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وأشرت بعدم التعدّي في الحال إلى نحو: ما أعرف زيدا بالحقّ، فإنّ «عرف» - قبل التعجّب - متعدّ بنفسه إلى الحقّ، فلما قصد به التعجّب ضمّن ما لا يتعدى من أفعال الغرائز، كقوي، وضعف، وكمل، ونقص؛ فقصر عن نصب ما كان منصوبا به وعدي إليه بالباء، كما تعدّى قصر ونحوه، مما هو في أصله غير متعدّ، وصار ما كان فاعلا - قبل - مفعولا، كما يصير فاعل «ظهر» من قولك: ظهر الحقّ، مفعولا، إذا أدخلت الهمزة، فقلت: أظهرت الحقّ، ولا يصحّ قول من قال: زعم أنّ «أفعل» المتعجب به لا يكون إلا من «فعل»، موضوعا، أو مردودا إليه، لوجهين:

أحدهما: أنّ «فعل، وفعل» اللازمين، كجزع، وصبر، مساويان «فعل»، في عدم التعدّي، وقبول همزة التعدية، فتقدير ردّهما إلى الفعل لا حاجة إليه.

الثاني: أنّ من الأفعال ما رفضت العرب صوغه على «فعل»: وهو المضاعف واليائيّ العين أو اللام، فإن قصد بالمضاعف معنى غريزي دلّوا عليه في غير شذوذ، بـ «فعل» نحو: جلّ يجلّ، وعزّ يعزّ، وخفّ يخفّ، وقلّ يقلّ، ونسب إلى الشذوذ نحو: لببت وبذلك استغنوا في اليائيّ العين عن «فعل بـ «فعل» نحو: طاب يطيب، ولان يلين، وضاق يضيق، أما اليائيّ اللام فاستغنوا فيه عن «فعل» بـ «فعل»، نحو:

حيي، وعمي، وغني، فإذا قصد تعجب بشيء من هذه الأنواع أدخلت الهمزة عليها، ولم تردّها إلى «فعل»؛ لأنّ «فعل» فيها مرفوض (١)، وهمزة «أفعل».

المتعجّب به للصيرورة، أي لتجعل فاعله ذا كذا، فأصل قولك: أحسن بزيد: أحسن زيد، أي: صار ذا حسن تام، وهو نظير: أثر الرجل: صار ذا أثرة، وأترب: صار ذا مال كالتراب، وأنجب وأظرف: صار ذا ولد نجيب وذا ولد ظريف وأخلأت الأرض وأكلأت وأكمأت، أي: صارت ذات خلأ وكلأ وكمأة، وأورقت الشجرة وأثمرت -


(١) قال أبو حيان: (ولا يلزم قوله: لأن هذا التحويل هو أمر تقديري، لا وجودي، والمقدرات ليست كالموجودات، فقد يكون الشيء مقدرا، ولا ينطق به، ولا يلفظ، وهذا كثير في هذه الصناعة، ألا ترى إلى المنصوب على الاشتغال، وإلى المرفوع، أو المنصوب، من النعوت المقطوعة، كيف يحكم بعواملها، وتقدّر، وليست موجودة ولا يلفظ بها، ولا ينطق في لسان العرب) اه. التذييل والتكميل (٤/ ٦٣٥)، ومنهج السالك
(ص ٣٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>