أما الوجه الأول من وجهي جواب ابن الضائع، وهو أنّ «ظأنّا» - من قولنا:
هذا ظان زيد أمس قائما - ليس له عمل، ولا يحتاج إلى مفعول، فقد قرره المصنف على وجه أولى من الوجه الذي قرره ابن الضائع عليه، وهو أنّ إضافته ليست على نية العمل، فيطلب مفعولا ثانيا، ولكنّ إضافته كإضافة اسم
جامد، وكاستعماله غير مضاف في نحو: هذا ظان أمس زيدا فاضلا، على نصب:«زيد، وفاضل» بـ «ظنّ» مدلولا عليه باسم الفاعل، ثمّ إنه لا يتوجه عليه ما اعترض به الشيخ على ابن الضائع (١)، من أنّ هذا تركيب آخر، وهب أنّ هذا الجواب يتمشّى له في: هذا ظان زيد أمس قائما، فكيف يتأتّى له جوابا على حذف المفعول الأول للفعل المقدر، الذي هو «ظنّ»؟ فانظر إلى هذا الرجل - أعني المصنف - كيف أتى بجواب شاف، فتضمّن أن اسم الفاعل، الذي هو «ظان»، لا مفعول له البتة، وأنّ المفعول الأول الذي هو معمول للفعل المقدّر حذف؛ للدلالة عليه بالمضاف إلى «ظان»، وهو «زيد»، وابن الضائع لم يتعرض إلى الجواب عن حذف أول مفعولي الفعل المقدّر أصلا.
وأمّا الوجه الثاني المنقول عن الشّيخ أبي زكريّا، وهو أنّ حذف الاقتصار إنما يمتنع حيث لا يذكر المفعول الثاني، أما إذا اشتمل الكلام على معمولين معا، وإن لم يذكر الثاني على أنه مفعول بذلك الفعل فإنه يجوز، كقولهم: ظننت أنّ زيدا منطلق، إلى آخره؛ ففيه بحث، وهو أن يقال: أما نحو: ظننت أنّ زيدا منطلق فالجملة المشتملة على المسند إليه والمسند واحدة، وما اشتملت عليه مفيد ما يفيده التصريح بذكر المفعولين، فاكتفى بذلك عن مفعول ثان، وأما المسألة التي الكلام فيها، وهي: هذا ظان زيدا أمس قائما، فقد قرر أنّ التقدير فيها: ظنّه أمس قائما، فـ «قائم» الذي هو المفعول الثاني للفعل المقدّر من جملة أخرى مستقلة، فكيف يكون مكتفى به عن ثاني مفعولي «ظانّ» من قولنا: هذا ظانّ زيد أمس، وهو من جملة أخرى لا تعلق لها بالثانية.
وحاصل الأمر: أنّه لا يلزم من الاكتفاء بالمسند إليه، والمسند، عن المفعول الثاني إذا حلّا محلّ المفعول الأول في جملة واحدة، أن يحصل الاكتفاء بهما عنه في جملتين. -