للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يقال: إنها لابتداء الارتفاع في نحو: أفضل منه، أو الانحطاط في نحو: شر منه، كما زعم سيبويه (١)؛ إذ لو كان الابتداء [٣/ ١٧٤] مقصودا لجاز أن يقع بعدها «إلى». وقد أشار سيبويه إلى أن ابتداء الغاية قد يقصد دون إرادة منتهى فقال:

وتقول: ما رأيته مذ يومين؛ فجعلتها غاية، كما قلت: أخذته من ذلك المكان؛ فجعلته غاية ولم ترد منتهى (٢). هذا نصه.

والصحيح أن «من» في نحو: أخذته من ذلك المكان؛ للمجاوزة، إذ لو كان الابتداء مقصودا مع «أخذت» كما هو مقصود مع «حملت» في قولك: حملته من ذلك المكان؛ لصدق على استصحاب المأخوذ «أخذ» كما يصدق على استصحاب المحمول «حمل». وأما «مذ» في: ما رأيته مذ يومين، ونحوه؛ فقد جعلها بعضهم بمعنى «في»، وليس كذلك؛ لأن المراد بـ: ما رأيته مذ يومين، ونحوه؛ نفي الرؤية في مدة أتيت في آخرها، والابتداء والانتهاء مقصودان واليومان معينان، ولو جيء بـ «فى» مكان «من» لم يفهم تعين ولا ابتداء ولا انتهاء، وقد تقع «من» موقع «مذ» في مثل هذا كقول النبي صلّى الله عليه وسلّم لفاطمة رضي الله تعالى عنها: «هذا أوّل طعام أكله أبوك من ثلاثة أيّام»، فلو كان المجرور بـ «مذ»، أو «منذ» حاضرا غير مثنى ولا مجموع؛ صح قصد معنى «في»، كقوله عليه الصلاة والسّلام للملكين عليهما السّلام: «طوّفتماني منذ اللّيلة» (٣). وأشار سيبويه إلى أن «من» الزائدة قصد بها التبعيض؛ لأنه قال - بعد تمثيله بـ: ما أتاني من رجل -: أدخلت «من»؛ لأن هذا موضع تبعيض فأراد أنه لم يأت بعض الرجال (٤)، هكذا قال. يريد أن «من» دلت على شمول الجنس فلكل بعض منه قسط من المنسوب إلى جميعها؛ فالتبعيض على هذا التقدير مقصود. وهذا غير مرض؛ لأنه يلزم منه أن تكون ألفاظ العموم للتبعيض، وإنما المقصود بزيادة «من»

في نحو: ما أتاني من رجل؛ جعل المجرور بها نصّا في العموم، وإنما تكون للتبعيض إذا لم يقصد عموم، وحسن في موضعها «بعض» نحو: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (٥)، ومِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ (٦)، -


(١) الكتاب (٤/ ٢٢٥، ٢٢٧).
(٢) الكتاب (٤/ ٢٢٦).
(٣) البخاري: جنائز (٩٣) وابن حنبل (٥/ ١٤).
(٤) الكتاب (٤/ ٢٢٥).
(٥) سورة البقرة: ٨.
(٦) سورة آل عمران: ١١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>