للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

من قولك: «درهما»، وأما «من» في هذا المثال فلا شبهة أنها لابتداء الغاية.

البحث الثاني:

كون «من» لبيان الجنس معروف وعليه الأكثرون. والمغاربة ينازعون في ذلك، والمنقول عن الشلوبين (١) أنه ينكر أن تكون للبيان بالوضع قال: «وإن وجد ذلك فيها فإنما هو بالانجرار». انتهى، ولا شك أن من قال: إنها لابتداء الغاية خاصة؛ يلزم من قوله منع كونها للبيان. قال ابن عصفور: استدل القائلون بذلك بقوله تعالى:

فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ (٢)؛ لأن الأوثان كلها رجس، وإنما أتى بـ «من» ليبين بما بعدها الجنس الذي قبلها كأنه قيل: فاجتنبوا الرجس التي هي الأوثان أي: اجتنبوا الرجس الوثني، وبقوله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ (٣)؛ لأن المعنى: وعد الله الذين هم أنتم؛ لأن الخطاب إنما هو للمؤمنين، وبقوله تعالى: وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ (٤) أي: من جبال هي برد؛ لأن الجبال هي البرد لا بعضها، ثم أجاب عن الأول - وهو لأبي علي الشلوبين - بأنه يتخرج على أن يكون المراد بالرجس: عبادة الوثن؛ فكأنه قيل: فاجتنبوا من الأوثان الرجس الذي هو العبادة؛ لأن المحرم من الأوثان إنما هو عبادتها. قال: وتكون «من» غاية مثلها في قوله: أخذت من التابوت؛ ألا ترى أن اجتناب عبادة الأوثان ابتداؤه وانتهاؤه في الوثن، وعن الثاني بأن «من» للتبعيض ويكون الخطاب عامّا للمؤمنين وغيرهم، وعن الثالث بأن «من» (مبعضة) (٥) ويكون المعنى مثله إذا جعلت لتبيين الجنس، وذلك بأن يكون [٣/ ١٧٧] قوله تعالى: (من جبال) بدلا من (السماء) لأن السماء مشتملة على الجبال التي فيها كأنه قيل «وينزل من جبال في السماء، ويكون (من برد) بدلا من الجبال بدل شيء من شيء، كأنه قيل: وينزل من برد في السماء، ويكون من قبيل ما أعيد فيه العامل مع البدل (٦). انتهى.

وأما ما استدل به المصنف وهو قوله تعالى: يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ -


(١) هو عمر بن محمد بن عمر بن عبد الله الأستاذ أبو علي إمام عصره بلا مدافع، له تعليقات على الكتاب وشرحان على الجزولية والتوطئة (ت: ٦٤٥ هـ).
(٢) سورة الحج: ٣٠.
(٣) سورة النور: ٤٣.
(٤) سورة النور: ٥٥.
(٥) الأصل: «للتبعيض».
(٦) شرح الجمل.

<<  <  ج: ص:  >  >>