للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ومنه قولهم: مات من علته، وضحك زيد من كلام عمرو، وغضب مما قيل، ومنه على أحد القولين قوله تعالى: أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (١) أي: بسبب الخوف، والقول الآخر: إن كلّا من الفعلين اللّذين هما (أطعمهم) (وآمنهم) ضمن معنى خلصهم؛ التقدير: خلصهم بالإطعام من جوع، وبالأمن من خوف.

ومنها: كونها للبدل وهذا المعنى فيه منازعة. وكان المغاربة لا يثبتونه، وقد تقدم استدلال المصنف على ذلك، ومن الأدلة أيضا قوله تعالى: أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ (٢) أي بدل الآخرة، وهو استدلال ظاهر، ومن تأول ذلك فقد أبعد. وأما قول الزمخشري (٣) إن المعنى: لولّدنا منكم ففي غاية البعد وكذا القول الذي ذكره أبو البقاء (٤) وهو أن المعنى: لحوّلنا بعضكم ملائكة. ولا شك أن القول بأن «من» للبدل أسهل من ذلك كله وأن المعنى عليه.

ومنها: كونها للمجاوزة وقد عرفت أن المصنف جعلها مع أفعل التفضيل للمجاوزة فإذا قيل: زيد أفضل من عمرو؛ فكأنه قيل: جاوز زيد عمرا في الفضل أو الانحطاط، وجعل القول بذلك أولى من القول بأنها لابتداء غاية الارتفاع في نحو: أفضل منه، أو الانحطاط في نحو: شر منه، كما زعم سيبويه. قال (٥): إذ لو كان الابتداء مقصودا لجاز أن يقع بعدها «إلى»، ثم قال: وقد أشار سيبويه إلى أن ابتداء الغاية قد يقصد دون إرادة منتهى، إلى آخر ما ذكره. ثم قال: وأشار أيضا - يعني سيبويه - إلى قصد التبعيض بالمصاحبة «أفعل» التفضيل فقال في «هو أفضل من زيد»: «فضّله على بعض ولم يعم. وقد عرفت أن المصنف نازع سيبويه في الأمرين - أعني كون المصاحبة لـ «أفعل»

التفضيل لابتداء الغاية أو للتبعيض - وأن المصنف اختار أنها للمجاوزة.

قال الشيخ: اختلف النحويون في «من» بعد أفعل التفضيل نحو: زيد أفضل من عمرو؛ فذهب سيبويه إلى أنها لابتداء الغاية ولا تخلو من التبعيض، وذهب المبرد (٦) إلى أنها لابتداء الغاية دون تبعيض، ومنع ابن ولاد (٧) أن تكون «من» لابتداء الغاية؛ -


(١) سورة قريش: ٤.
(٢) سورة التوبة: ٣٨.
(٣) الكشاف (٤/ ٢٠٦).
(٤) التبيان (٢/ ١١٤١).
(٥) الكتاب (٤/ ٢٢٤) وما بعدها.
(٦) المقتضب (١/ ٤٤، ٤٥)، ومعه الأخفش الصغير. راجع التذييل (٤/ ٢).
(٧) وانظر: الهمع (٢/ ٣٦). وابن ولاد: أبو العباس أحمد بن محمد بن ولاد، ورث النحو عن أبيه وجده، من مصنفاته: الانتصار لسيبويه من المبرد، والمقصور والممدود وغيرهما (ت: ٣٣٢ هـ) راجع: الإنباه (١/ ٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>