لأن الابتداء لا بد أن يكون له انتهاء؛ تقول: خرجت من البصرة إلى الكوفة، ولا تقول:
زيد أفضل منك إلى جعفر» انتهى. قلت: وكلام ابن ولاد يعضد كلام المصنف.
ثم قال الشيخ: وزعم سيبويه أن «من» تكون غاية فقال: تقول: رأيته من ذلك الموضع؛ تجعله غاية رؤيتك كما جعلته غاية حيث أردت الابتداء يريد أن «من» هنا دخلت على المحل الذي وقع فيه ابتداء الرؤية وانتهاؤها ولذلك سماه غاية لما كان محيطا بغاية الفعل؛ لأن الغاية هي مدى الشيء أي: قدره فيمكن أن تكون في «زيد أفضل من عمرو» كذلك». انتهى.
ولقائل أن يدعي أن «من» المصاحبة لـ «أفعل» التفضيل للبيان؛ لأن المذكور بعدها بين به المفضل عليه، وأما معنى ابتداء الغاية فيها فيحتاج إلى تأمل. وكذا معنى التبعيض يحتاج إلى تأمل أكثر. وبعد أن كتبت أن «من» المصاحبة لـ «أفعل» التفضيل للبيان رأيت ابن هشام الخضراوي ذكر أيضا أنها للتبيين قال: فإن القائل إذا قال: زيد أفضل؛ فهمت الزيادة ولم تعرف على من هي ففسرت «من» ذلك.
ومنها: كونها للانتهاء وقد تقدم من كلام المصنف أن سيبويه أشار إلى أن من معاني «من» الانتهاء فقال: وتقول:
رأيته من ذلك الموضع؛ فجعلته غاية رؤيتك كما جعلته غاية حين أردت [٣/ ١٧٨] الابتداء. وتقدم أيضا قول ابن السراج: إن حقيقة المسألة أنك إذا قلت: رأيت الهلال من موضعي فـ «من» لك، وإذا قلت:
رأيت الهلال من خلل السحاب فـ «من» للهلال، و «الهلال» غاية لرؤيتك فلذلك جعل سيبويه «من» غاية في قولك: رأيته من ذلك الموضع، قال ابن عصفور (١):
وأما التي زعم بعض النحويين أنها تكون لانتهاء الغاية فنحو قولك: رأيت الهلال من داري من خلل السحاب؛ فابتداء الرؤية وقع من الدار وانتهاؤها في خلل السحاب، وكذلك: شممت من داري الريحان من الطريق؛ فابتداء شم الريحان من الدار وانتهاؤه إلى الطريق. وهذا وأمثاله لا حجه لهم فيه؛ لأنه يحتمل أن يكون كل واحد منهما لابتداء الغاية فتكون الأولى لابتداء الغاية في حق الفاعل، وتكون الثانية لابتداء الغاية في حق المفعول؛ ألا ترى أن ابتداء وقوع رؤية الهلال من الفاعل إنما كان في داره وأن ابتداء وقوع الرؤية بالهلال إنما كان في خلل السحاب؛ لأن -