للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الرؤية إنما وقعت بالهلال وهو في خلل السحاب وكذا ابتداء وقوع الشم إنما كان من الدار، وابتداء وقوعه بالريحان إنما كان من الطريق لا الشم إنما تسلط على الريحان وهو في الطريق ونظير ذلك ما جاء في بعض الآثار: وهو كتاب أبي عبيدة بن الجراح (١) إلى عمر بالشام الغوث الغوث، وأبو عبيدة لم يكن في وقت كتبه إلى عمر بالشام بل الذي كان بالشام عمر رضي الله عنه. فقوله: «بالشام» ظرف للفعل بالنظر إلى المفعول. ومن الناس من جعل «من» الثانية لابتداء الغاية إلا أنه جعل العامل فيها محذوفا كأنه قال:

رأيت الهلال من داري ظاهرا من خلل السحاب فجعل «من» لابتداء غاية الظهور، وكذا يقدر المثال الآخر: شممت الريحان من داري كائنا من الطريق فـ «من» الثانية لابتداء غاية الكون وهذا عندي فاسد؛ لأنه قد تقدم في باب المبتدأ أن المحذوف الذي يقوم المجرور مقامه إنما يكون مما يناسب معناه الحرف و «من» الابتدائية لا يفهم منها الكون ولا الظهور؛ فلا ينبغي أن يجوز حذفهما (٢) منه. انتهى كلامه.

فأما قوله: إن الأولى لابتداء الغاية في حق الفاعل والثانية لابتداء الغاية في حق المفعول فهو معنى قول ابن السراج: إن «من» لك في قولك: رأيت الهلال من موضعي وأن «من» للهلال في قولك: رأيت الهلال من خلل السحاب؛ فإن هذا يقتضي أن تكون «من» الأولى لابتداء الغاية في حق الفاعل وأن «من» الثانية لابتداء الغاية في حق المفعول،

وأما إبطاله أن تكون الثانية لابتداء الغاية على أن العامل فيها محذوف بما أشار إليه من أن المحذوف إنما يكون مما يناسب معناه الحرف فممنوع؛ لأن العلة التي ذكرها لا تظهر صحتها. وقد تقدم البحث معه في ذلك في أوائل هذا الباب. وقد ذكر ابن يعيش المسألة وذكر قول الناس في «من» الثانية: إنها لابتداء الغاية ثم قال (٣): والجيد أن تكون «من» الثانية لابتداء الغاية في الظهور أو بدلا من الأولى.

وكلام السهيلي يجنح إلى ذلك فإنه قال: ولا حجة في قولهم: شممت الريحان من -


(١) عامر بن عبد الله بن الجراح الفهري القرشي أحد العشرة المبشرين بالجنة وكان لقبه أمين الأمة توفي بالطاعون (١٨ هـ) ودفن في غور بيسان. راجع: الرياض النضرة (٢/ ٣٠٧).
(٢) شرح الجمل (١/ ٣٤٦).
(٣) في شرح المفصل (٨/ ١٣، ١٤) ثم انظر الأصول (١/ ٤٩٨) وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>