للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

على أن «مثلهم» مبتدأ، ولا ينبغي لـ «مثل» أن يجري مجرى «غير»؛ لأنه وإن وافقه في أن دلالته على معناه لا تتم إلا بما يضاف إليه فقد خالفه بمشابهة التام الدلالة في قبول التصغير والتثنية والجمع والاشتقاق منه. وكل ما استشهدوا به على البناء فخرج على الإعراب أحسن تخريج؛ فيجعل (حق) اسم فاعل من «حق - يحق» ثم قصر كما فعل بـ «بار، وسار» حين قيل فيهما: بر وسر، وبقي فيه الضمير الذي كان فيه قبل القصر وجعل مِثْلَ ما حالا منه. وأما قراءة من قرأ:

أن يصيبكم مثل ما أصاب (١)؛ بالنصب فوجهه أنه منصوب على المصدرية وفاعل (يصيبكم) ضمير عائد على (الله) من: وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ (٢)؛ كأنه قيل: ولا يجر منكم شقاقي أن يصيبكم الله مثل ما أصاب قوم نوح، وإنما يحتاج إلى هذا إذا سلم بناء «غير» وما بعدها في المواضع المذكورة. وهو وإن كان أشهر من بناء «مثل» ضعيف عندي؛ لأن الإضافة فيها قياسية، فلا ينبغي أن تكون سبب بناء؛ لأنها من خصائص الأسماء، فحقها أن تكف سبب البناء وتقلبه؛ لأنها تقتضي الرجوع إلى الأصل والسبب الكائن معها يقتضي الخروج عن الأصل وما يدعو إلى مراجعة الأصل راجع على ما يدعو إلى مفارقته. ولذلك رجح شبه «أي» بـ «كل» و «بعض» على شبهها [٤/ ٩١] بحرفي الشرط والاستفهام في المعنى وبالحرف المصدري في لزوم الافتقار. وإذا ثبت هذا وجب توجيه ما أوهم بناء «غير» وشبهه للإضافة إلى مبني بما لا يخالف الأصول ولا يعسر القبول؛ فيخرج قول بني أسد وقضاعة: ما جاء غيرك؛ بفتح الراء على أن يكون المراد: ما جاء جاء غيرك؛ فنصب «غيرك» على أنه حال أو منصوب على الاستثناء، وساغ حذف «جاء» وهو فاعل؛ لأنه بعد نفي والعموم فيه مقصود وحذف مثل هذا بعد النفي والنهي كثير. فمن بعد النفي قوله عليه الصلاة والسّلام: «لا يزني الزّاني حين يزني وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن» (٣) أي: ولا يشرب الشارب. ومثله قول الراجز: -


(١) سورة هود: ٨٩.
(٢) سورة هود: ٨٨.
(٣) هو عن أبي هريرة رضي الله عنه. البخاري: كتاب الحدود (٨/ ١٩٥، ١٩٦)، وابن حنبل (٢/ ٢١٧)، (٤/ ٢٥٢) والدارمي: أشربة (١١)، وأبو داود: سنة (١٥)، وابن ماجه: فتن (٣)، ومسلم:
إيمان (١٠٠)، والنسائي: قطع السارق (١)، وقسامة (٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>