يقول أن ذلك غير مستعمل في كلام العرب، وأنه إن استعمل كان توكيدا، وكذا قوله لا يبدل مضمر من مضمر أيضا. وقد قال: إنه إنما مثل بذلك جريا على عادة المصنفين المقلد بعضهم بعضا.
وأما ابن عصفور فإنه فعل ما فعله المصنفون. فقال: البدل ينقسم بالنظر إلى الإظهار والإضمار أربعة أقسام ظاهر من ظاهر ومضمر من مضمر ومضمر من مظهر وظاهر من مضمر.
إلا أن في بدل المضمر من غيره في بدل البعض من الكل وبدل الاشتمال تكلف إعادة الظاهر كما سيبين. فمثال ذلك في بدل الكل ضربت زيدا أخاك، وزيد ضربته إياه، وضربت زيدا إياه، وزيد ضربته أخاك. ومثاله في بدل البعض: أكلت الرغيف ثلثه، والرغيف أكلته ثلثه، وثلث الرغيف أكلته إياه، فالضمير في أكلته يعود على الرغيف وإياه يعود على الثلث، وثلث الرغيف (الرغيف) أكلت الرغيف اياه، فيعيد الضمير على الثلث فقد تكلف تكرار الرغيف في المسألتين الأخيرتين. ومثال ذلك في بدل الاشتمال: عجبت من الجارية حسنها والجارية عجبت حسنها وحسن الجارية الجارية عجبت منها منه وحسن الجارية عجبت من الجارية منه فتكلفت أيضا تكرار الجارية في الوجهين الأخيرين. قال: وهذه المسائل التي تؤدي إلى تكلف [٤/ ١٣٩] تكرار الظاهر فيها خلاف بين النحويين فمنهم من منع ومنهم من أجاز.
فالذي منعها حمله على ذلك خلو الجملة الواقعة خبرا من ضمير يعود على المخبر عنه لأنك إذا قلت: ثلث الرغيف
أكلت الرغيف إياه، لم يكن في الجملة التي هي أكلت الرغيف الواقعة خبرا لثلث ضمير عائد على الثلث. ولا يقال إن إياه المبدل من الرغيف عائد على الثلث فلا يحتاج معه إلى عائد؛ لأن البدل على تقدير تكرار العامل والاستئناف، فكأنك قلت: إياه أكلت. وعلى هذا تخلو الجملة الواقعة خبرا من ضمير عائد على المبتدأ، وكذلك مسألة ثلث الرغيف (الرغيف) أكلته إياه فان أكلته في موضع خبر الرغيف والضمير في أكلته عائد عليه والجملة من المبتدأ والخبر في موضع خبر الثلث ولا ضمير فيها وإياه غير معتد به؛ لأنه على نية الاستئناف.
والذي أجاز اعتد بالضمير المبدل لما كان العامل فيه غير موجود في اللفظ فصار لذلك من تمام الجملة المتقدمة؛ ولذلك لا يتكلم بالبدل وحده كما يتكلم بالجمل -