يؤتى بها لإثبات ما نفي أو نهي عنه للثاني. وخلاف المبرد في ذلك معروف (١) قال: ومستنده أن بل لا يتكلم بها إلا غالط. قال: فإذا قلت: رأيت زيدا بل عمرا إنما أردت أن تقول: رأيت عمرا فغلطت فتداركت ببل وكذلك في النفي فإذا قلت:
ما رأيت زيدا بل عمرا إنما أردت أن تقول: ما رأيت عمرا فغلطت فأضربت عن الجحد الأول واعتمدت في الجحد على الثاني. ومع قول المبرد بهذا القول أجاز ما أوجبه الجماعة فقال: وقد تكون بمعنى لكن فيكون المعنى: بل رأيت عمرا.
ثم إن ابن عصفور أبطل ما أجازه المبرد بأن قال: بل حرف عطف وحرف العطف إنما ينوب من جهة المعنى مناب العامل فإذا قلت: ما قام زيد بل عمرو فينبغي أن يكون المعنى بل قام عمرو فتنوب بل مناب قام لأنه هو العامل في المعطوف عليه ولا يسوغ أن يكون المعنى بل ما قام عمرو لأن ما غير عاملة فلا يجوز أن تنوب بل منابها من جهة المعنى. ثم أورد على هذا التعليل نحو: ما يقوم زيد وعمرو فإن معناه ما يقوم زيد وما يقوم عمرو فقد ناب حرف العطف مناب حرف النفي من جهة المعنى. وأجاب عن ذلك بأن حرف العطف إنما ناب مناب الفعل وكأنك قلت: ما يقوم زيد ويقوم عمرو لكن يلزم أن يكون ذلك الفعل الذي ناب حرف العطف منابه منفيّا كما يلزم ذلك فيه إذا لفظت به بعد حرف العطف من جهة أنه إذ ذاك يكون معطوفا على الفعل المنفي الذي قبله بالواو وهي من الحروف المشتركة في اللفظ والمعنى ولا يلزم ذلك في العطف ببل؛ لأنها إنما تشرك في اللفظ لا في المعنى.
ثم ذكر ابن عصفور مسألة كأنه يعضد بتقريرها ما كره ردّا على المبرد.
وهي أن بل لا يعطف بها بعد الاستفهام فلا يقال: هل يقوم زيد بل عمرو لأنك إما أن تريد بل يقوم عمرو أو بل هل يقوم عمرو. فلا يجوز أن يراد بل يقوم عمرو لأن إنما يستدرك بها للثاني ما أثبت للأول غلطا أو نسيانا أو ما نفي عنه. والمستفهم لم يثبت لزيد قياما ولا نفاه عنه فيستدركه لعمرو، ولا يجوز أن يراد به: بل هل يقوم عمرو، لما ذكرناه من أن بل إنما تنوب من جهة المعنى مناب العامل في المعطوف عليه وأداة الاستفهام ليست بعاملة فيه
فتنوب بل منابها. قال:
وكون العرب لم تعطف بها بعد الاستفهام دليل على بطلان ما ذهب إليه -