للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وجوده تجدد تعريف ولولا ذاك لم تناد النكرة المحضة. فعلى هذا لا يلزم من دخوله على معرفة اجتماع تعريفين على أنه لو سلم اجتماع تعريفين لجعل أحدهما مؤكدا للآخر موسوقا لزيادة الوضوح كاتساق الصفة لذلك. ويكون ذلك نظير اجتماع دليلي المبالغة في علامة ودوّاري (١)، ويجوز في المفرد المعرف بالقصد والإقبال إجراؤه مجرى العلم المفرد في البناء وإجراؤه مجرى النكرة في النصب.

قال الفراء: النكرة المقصودة الموصوفة المناداة تؤثر العرب نصبها يقولون: يا رجلا كريما أقبل، فإذا أفردوا رفعوا أكثر مما ينصبون (٢). قلت: ويؤيد قول الفراء ما روي من قول النبي صلّى الله عليه وسلّم في سجوده: «يا عظيما يرجى لكلّ عظيم، ادفع عنّي كلّ عظيم» (٣). وأجاز ثعلب - رحمه الله تعالى - أن يضم المضاف إذا كان صالحا للألف واللام نحو: يا حسن الوجه لأن إضافته في نية الانفصال (٤). وأظنه قاس ذلك على رواية الفراء عن بعض العرب: يا مهتم بأمرنا لا تهتم بضم مهتم مع مشابهته المضاف لتعلق بأمرنا به.

ويخرج هذا عندي بأن يجعل بأمرنا متعلقا بلا تهتم كأنه قال: يا مهتم لا تهتم بأمرنا فقدم وأخر. ومذهبه في هذه المسألة ضعيف؛ لأن بناء المنادى ناشئ عن شبهه بالضمير والمضاف عادم الشبه بالضمير وإن كان مجازيّ الإضافة. ومنع الأصمعي نعت المبني للنداء؛ لأنه شبيه بالمضمر والمضمر لا ينعت (٥).

وما ذهب إليه مردود بالسماع والقياس. أما السماع فشهرته مغنية عن استشهاد. وأما القياس فلأن مشابهة المنادى المضمر عارضة. فمقتضى الدليل أن لا تعتبر مطلقا كما لم يعتبر مشابهة المصدر لفعل الأمر في نحو: ضربا زيدا لكن العرب اعتبرت مشابهة المنادى للضمير في البناء استحسانا فلم تزد على ذلك كما أن فعال العلم لما بني حملا على فعال المأمور به لم يزد على بنائه شيء من أحوال ما حمل عليه. ونظائر ذلك كثيرة. ويجوز في المنعوت بابن من نحو: يا زيد بن عمرو -


(١) في الأول وزن فعّال والتاء وفي الأخير الوزن وياء النسب.
(٢) الأشموني (٣/ ١٣٨)، وشرح العمدة (ص ١٢٠)، والهمع (١/ ١٧٣).
(٣) البخاري: دعوات (٢٧)، وابن حنبل (١/ ٢٢٨، ١/ ٢٤٥)، ومسلم: ذكر (٨٣).
(٤) الأشموني (٣/ ١٤٠)، والهمع (١/ ١٧٣).
(٥) الارتشاف (ص ٩٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>