يحسن نصبه بعد الخبر الواجب؛ لأن الذي أحوجنا بعد النفي والطلب إلى الإضمار وحمل الكلام على غير ظاهره هو الدلالة على المخالفة بين الأول والثاني على ما بيناه، وإذا عطف بـ «الفاء» على الخبر الواجب كما في نحو: أنت تأتينا فتحدثنا لم يقع خلاف بين الأول والثاني فلم يحتج إلى النصب على ذلك الإضمار والتأويل ولم يرد استعماله إلا في أشياء سيأتي التنبيه عليها.
هذا آخر كلام الإمام بدر الدين رحمه الله تعالى، وهو كلام مرتب حسن نظيف، ويتعلق به أمران:
أحدهما: قوله في تقسيم المضارع الواقع بعد «الفاء» إذا كان ما قبل «الفاء» غير واجب: إنك إن قصدت أنه مسبب مبني على مبتدأ محذوف رفع كقولك: ما تأتيني فتحدثني، قال: فترفع على جعل الإتيان سببا للحديث، وتقديره: فأنت تحدثني. فإن جعلت الإتيان سببا للحديث مع أن الإتيان منفي والحديث مثبت لا يظهر إلا أن تريد أن الإتيان سبب للحديث في الجملة لا في هذا التركيب فيكون مراد المتكلم أن السبب منتف ولكن مسببه ثابت كأنه يريد بسبب آخر فيستقيم حينئذ.
ثانيهما: قوله في المضارع الواقع بعد «الفاء» إذا كان حكمه مخالفا لما قبل «الفاء» وذلك إذا كان ما قبل «الفاء» غير واجب: إن ما بعد الفاء إما مسبب عما قبلها أو مرتب عليه، والمسبب: إما غير مبني على مبتدأ محذوف، أو مبني على مبتدأ محذوف، والمرتب: إما لإفادة نفي الجمع، وإما لإفادة استئناف الإثبات.
فإن هذه الأقسام الأربعة التي ذكرها وإن كانت تتصور جميعها في الكلام الواقع بعد النفي قد لا تتصور جميعها في الواقع بعد بعض أقسام الطلب وهو قد أطلق الحكم بقوله: وذلك إذا كان ما قبل الفاء غير واجب.
ثم إن المصنف ذكر في مثل: ما تأتينا فتحدثنا: جواز الرفع إما على العطف أو الاستئناف، كما تقدمت الإشارة إليه، ولم يتعرض إلى ذكر شيء من ذلك في بقية المسائل.
وأما الإمام بدر الدين فإنه تعرض إلى ذكر ذلك كما رأيت، لكن أبو الحسن بن عصفور أورد ذلك في المقرب