للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أحدهما: ما قاله المبرد: كيف يقال: السين عوض من حركة العين بعد ذهابها، وهي لم تذهب وإنما نقلت من العين إلى الفاء فلم تذهب من اللفظ؟ وانفصل ابن ولّاد، والسّيرافي وغيرهما من المتقدمين عن ذلك بأن قالوا: عنى سيبويه بالذهاب: الانتقال؛ فالسين عوض عن الانتقال، ويبين ذلك أنه نص في آخر الكتاب على أن ما كان مثل هذا لا تذهب منه الحركة، إنما ينتقل عنها إلى الفاء، وما ردّوا به على المبرد صحيح، لكن أخذهم كلام سيبويه على ظاهره لم يسلّمه الأستاذ أبو علي ولا ارتضاه من حيث إن الانتقال حكم وليست الأحكام يعوض منها الحروف إنما تعوض من الحركات أو من حروف مثلها وهو كما قال، وخرّج كلام سيبويه على حذف مضاف أي من أجل ذهاب حركة العين، وأراد أن السين عوض من العين؛ لأنها عند حذف حركتها وبقائها ساكنة توهنت، وتعرضت للحذف، حتى لو أسندت الفعل إلى غير غائب فقلت: أطعت وأطعت؛ لا تحذف رأسا، فكأن العرب توهمت حالها مع

غير الغائب، حاصلا مع الغائب وعاملت ذلك كلّه معاملة واحدة فابتدرت بالعوض، قال: وإلى هذه العلّة أشار سيبويه بقوله: على ما قرر من أجل ذهاب حركتها، قال: ولا ينكر الحذف الكثير في كلام هذا الإمام.

الاعتراض الثاني: جعل سيبويه أطاع وأسطاع شيئا واحدا؛ لقوله: إنما هي، وليس كذلك؛ لأن المعنيين فيهما متباينان، فمعنى أسطاع: قدر، ومعنى أطاع: انقاد وتذلّل، ولم ينقل عن أحد من أهل اللغة عن العرب أن أسطاع بمعنى أطاع؛ بل ذكروا أن العرب تقول: استطاع، وأسطاع، وأستاع بقطع الهمزة ووصلها، وكل ذلك بمعنى قدر (١)، ومن العجب سكوت المبرّد عنه في هذا على كثرة ولوعه بالنقد عليه، وقد انفصل عنه ابن عصفور وسبق إليه بأن قال: يمكن أن يكون سيبويه ناقلا عن العرب ما ذكره من أن أطاع بمعنى أسطاع فيتلقى بالقبول (٢)، وهذا لا يدفع الاعتراض؛ لأنه ليس في كلام سيبويه ما يقطع بأن ذلك نقل منه عن العرب، ولو كان فيه نقل بالسماع لارتفع النزاع، وأجود من هذا التمسك ما ذهب إليه ابن الطراوة من أنه: قد ثبت -


(١) ينظر: الكتاب (١/ ٢٥)، (٤/ ٢٨٥)، وابن جماعة والجاربردي (١/ ٢٢٧، ١٢٨)، وابن يعيش (١٠/ ٥، ٦)، والممتع (١/ ٢٢٥، ٢٢٦)، والإتحاف (ص ٢٩٥)، والحجة (ص ٢٣٢، ٢٣٣)، ويس على التصريح (١/ ٣٦٢، ٣٦٣).
(٢) الممتع (١/ ٢٢٥، ٢٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>