للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

من معنى الفعل، فلو وقع موقع مشتق لجرى مجراه في تحمل الضمير كقولك مشيرا إلى رجل شجاع: هذا أسد؛ ففي أسد حينئذ ضمير مرفوع به؛ لأنه مؤول بما فيه معنى الفعل، ولو أسند إلى ظاهر لرفعه كقولك: رأيت رجلا أسدا أبوه، ومنه قول الشاعر [١/ ٣٤٥]:

٦٠٨ - وليل يقول النّاس من ظلماته ... سواء صحيحات العيون وعورها

كأنّ لنا منه بيوتا حصينة ... مسوحا أعاليها وساجا كسورها (١)

فرفع الأعالي والكسور بمسوح وساج لإقامتهما مقام سود. وإذا جاز ارتفاع الظاهر بالجامد لتأوله بمشتق كان ارتفاع المضمر به أولى؛ لأنه قد يرفع المضمر ما لا يرفع الظاهر كأفعل التفضيل في أكثر الكلام (٢).

وإذا رفع الجامد القائم مقام مشتق ضميرا أو ظاهرا جاز أن ينصب بعد ذلك به تمييز أو حال كقول الشاعر: -


(١) البيتان من بحر الطويل وهما في وصف ليل طويل مظلم قالهما الأعشى (ديوان الأعشى: ص ٦٨) وجواب واو رب مذكور في البيت الذي بعد ذلك، وهو قوله:
تجاوزته حتى مضى مدلهمّه ... ولاح من الشّمس المضيئة نورها
اللغة: العور: جمع عوراء. المسوح: جمع مسح بكسر الميم وهو الثوب الخشن المنسوج من الشعر.
السّاج: الطيلسان الأخضر أو الأسود. الكسور: جمع كسر بالفتح وهو الشقة السفلى من الخباء، أو ما تكسر وتثنى منها على الأرض.
المعنى: يصف الشاعر ليلا طويلا مظلما ظلمة لا يبصر فيها أحد، ثم شبهه بالبيوت الحصينة أو الثياب التي تنسج بقماش سميك غليظ.
وشاهده: رفع الاسم الظاهر مرتين بأسماء جامدة، وذلك لتأويلها بمشتق.
والبيت في شرح التسهيل: (١/ ٣٠٦) وفي التذييل والتكميل: (٤/ ١٣) وفي معجم الشواهد (ص ١٦٠).
(٢) يريد أن يذكر أنه لما كان العمل ضعيفا في الضمير المستتر، حيث لا يظهر أثره لفظا لم يحتج إلى قوة العامل فيرفعه كل فعل وكل وصف، بخلاف الضمير البارز والاسم الظاهر، فيحتاجان إلى قوة العامل لقوتهما وظهور أثر العامل فيهما لفظا، وبخاصة في الاسم الظاهر، فرفعهما كل فعل لقوة الفعل في العمل، ولم يرفعهما كل وصف، وذلك لأن أفعل التفضيل لا يرفعهما؛ لأنه ضعيف الشبه باسم الفاعل من قبل أنه في حال تجريده لا يؤنث ولا يثنى ولا يجمع، إلا ما حكاه سيبويه من قلة العمل في مثل قولهم: مررت برجل أكرم منه أبوه.
وهذا بخلاف المسألة المشهورة في باب أفعل التفضيل بمسألة الكحل، فإنه يرفع الظاهر كثيرا لصحة قيام الفعل مقامه.

<<  <  ج: ص:  >  >>