فاقتضى رأيه أن يجرد عسكرا صحبة بيدرا، وكان بيدرا قد وقف على حقيقة هؤلاء القوم، فكره الذهاب إليهم، فلما خاطبه السلطان بذلك شرع فى الاستعفاء، فخرج السلطان من ذلك وصاح فى وجهه وأخرجه من بين يديه وألزم نفسه أنه متى ما لم يسافر قبض عليه.
فاضطر بيدرا عند ذلك إلى خروجه، فخرج ومعه عسكر نحوا من عشرة أمراء وثلاثة آلاف فارس، فساروا إلى أن وصلوا إلى جبال كسروان ورتبوا أمورهم، فعلم بهم الجبلية فخرجوا إليهم فى جمع عظيم، وكانوا كفرة روافض ولهم شوكة كبيرة، وجمعهم بمقدار عشرة آلاف نفر، وكلهم يرمون على القسى القوية، ومشيهم فى تلك الجبال أسرع من مشى الخيل لأنهم تربوا فيها وألفوا بها، فاستقبلوا عسكر السلطان بالرمى والقتال، ثم رجعوا عن ذلك كالمنكسرين، وكان ذلك حيلة منهم حتى استجروا العسكر إلى المواضع الصعبة، ثم يفعلون فيهم ما يشاءون، فلما حصلوا فى تلك المواضع رجعوا عليهم ورموهم بالأحجار والقسىّ ونالوا منهم، ثم إن عسكر السلطان قاتلوهم قتالا عظيما على أن يجدوا طريقا فيرجعون عنهم، وكانوا قد ملكوا الطريق عليهم، ورأى العسكر شدة عظيمة إلى أن رجعوا إلى مكان وطلعوا منه، وقتل فى ذلك اليوم تحت بيدرا ثلاث رؤوس من الخيل، وكذلك سائر الأمراء، فلما نزلوا إلى المخيم، افتقدوا العسكر، فوجدوا قد جرحت منهم جماعة وأسرت جماعة، فتحيروا ولا يدرون ماذا يفعلون.
وكانت الجبلية يعتقدون أن هذه العسكر هم عسكر الشام، فلما سألوهم قالوا:
إنه نائب السلطان الأمير بيدرا، و [لما (١)] علموا بذلك ندموا على فعلهم،