وقال: إذا أخذت خبزك وأعطيته لغيرك من يمنعنى أو أخاف من أحد، وإنما أنتم ما تتركون فشاركم، كلما يتكلم أحد تقولون: لو كانت البحرية؛ وكان يتكلم بذلك ويشير إلى سنقر الأشقر.
فأخذ سنقر الأشقر من كلامه فى قلبه أمرا عظيما، فأجابه على الفور، فقال يا خوند: كم تذكر البحرية، ما رأى السلطان البحرية إلا إذا ركب واحد منهم فرسه ما يقدر على ركوبه إلا بمعونة خمسة أنفس وكذا إذا نزل، وكان أحدهم إذا أخذ فى يده رمحا ما كان أحد يقدر على مقابلته، فاليوم إذا أخذ بيده سوطا ترعد يده [٥٠] وإن رفعه ما يقدر على أن يضرب به فرسه.
وكان أمير سلاح حاضرا فى المجلس، فرأى أن وجه السلطان قد تغير لونه من كلام سنقر الأشقر، وأسرع فى قوله: يا خوند والله لا البحرية ولا غيرهم، فكل عسكر مصر والشام اليوم يدعون بحياتك وطول عمرك حتى تعيش لهم طويلا فيعيشون فى ظلك وخيرك، فسكن ما بالسلطان عند ذلك.
ولما تفرقوا من عند السلطان وجاء كل أحد منزله قال شهاب الدين صمغار ولد سنقر الأشقر له: يا خوند أنت تعرف أن هذا السلطان شاب حاد النفس مدل بسلطنته، فلأىّ شئ تجاوبه كل وقت، وما كان يضرك لو سكت عن الجواب عما سمعت، فقال بعد أن نظر إليه طويلا: ما قلت له هذا القول إلا لعلمى بما فى نفسه منى ومن غيرى من يوم كنا نازلين على قلعة الروم واستشار الأمراء فى الرجوع لأجل المغولى، وكل وقت يحدث هذا الحديث بين مماليكه ويسبنى، فالموت خير من مثل هذه الحياة النجسة، ثم بكى بكاء شديدا.