وكذلك وصلت الأخبار من بلاد مكة شرفها الله والمدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام أن الأردب من القمح وصل عندهم إلى تسع مائة درهم، والشعير إلى سبع مائة، وأن مكة لم يبق فيها من يطوف إلا نفر قليل، وأن أهل قراها وسكان حدائقها انتزحوا إلى أعلى الجبال، وإذا سافر الرجل من مكة إلى المدينة لا يجد من يدله على الطريق، والسعيد منهم من له ناقة أو شاة أو شئ من الماشية يأكل لحمها. وكذلك أهل اليمن وقع فيهم الغلاء المفرط حتى باعوا أولادهم بالقوت، وأن طائفة منهم خرجت قاصدة إلى مكة وعند وصولهم إلى محلة بنى يعقوب وجدوا بها جماعة من أهل مكة قد قتلهم الجوع ولم يبق منهم غير اثنين ضعيفين.
وكذلك وصلت الأخبار من بلاد الشرق بأنهم فى أسوء الأحوال من القحط والفناء وموت المواشى وقلة المرعى ومسك الغيث.
ثم اشتد الحال بأهل مصر حتى صاروا ينهبون الخبز من الأسواق والأفران، وكان إذا خرج الرجل من بيته بطبق العجين يجتمعون عليه ويأخذونه قطعا قطعا، وإذا كان فى الفرن خبز لا يقدرون على إخراجه حتى يكون حوله جماعة من أهل بيته وبأيديهم عصى يمنعون من يتعرض إليه، وكان بعضهم يرمى روحه على الطبق من الجوع والضرب عمال على رأسه وظهره وهو لا يلتفت فيضرب حتى يقع مغشيا عليه وهو ماسك رغيفا أو قطعة منه بأسنانه.
ثم اتفق رأى السلطان مع الأمراء على أن يفرقوا الصعاليك على الأمراء والأغنياء، فكتبوا باسم أمير مائة، وباسم آخر خمسين، وباسم آخر عشرين، وباسم آخر عشرة، فخف عن الناس ما كانوا يجدونه، ثم جاء الوباء والفناء فى