بلاد مصر وكثرت الأمراض الحادّة وتحسنت أسعار الأشربة والأدوية والحقن ونحوها، فصار كل شئ بأضعاف قيمته.
قال الراوى: كان دكان برأس حارة الديلم يعرف بدكان الهندى باع صاحبها فى شهر واحد باثنين وثلاثين ألف درهم من الأشربة والأدوية، وكان مثل ذلك دكاكين أخرى معروفة فى السيوفيين والوزيرية وخارج باب زويلة، وكان كل طبيب يحصل فى كل يوم من مائة درهم إلى أقل وأكثر، وكانت ورقة المواريث يكتب كل يوم من الموتى بثلاثة آلاف درهم وكسور هذا للاطلاق من الديوان، وأما الطرحا على الدكاكين والذين يموتون فى الأزقة ونحوها فلا يحصرون ولا يضبطون، وكانوا يحفرون حفرا وآبارا ويرمون الموتى بعضهم على بعض إلى أن جافت بهم الطرقات والأسواق والنواحى، وكان الذى أعقب هذه (١) الوباء فى هذا الغلاء كثرة أكل لحم بنى آدم، فإن الناس من الجوع كانوا يأكلون الموتى، وخصوصا موتى الأطفال، وكانوا يجدون الرجل والمرأة ميتين وعند رأسهما لحم الميت، وكان يمسك بعضهم فيوجد معه كتف صغير [١١٧] أو فخذه أو شئ من لحمه.
وفى تاريخ النويرى: أكل الناس الميتة من الآدميين والدواب والكلاب، وحكى أن متولى القاهرة وجد ثلاثة نفر وبين أيديهم صبىّ سباعى قد قطعوا يديه ورجليه وشووه وهم يأكلون فيه مع خل وبقل وليمون مالح، وقرّرهم فاعترفوا أنهم فعلوا بالأمس بصبى آخر كذلك، فشنقوا على باب زويلة، فلم يصبح منهم شئ؛ بل أكلهم الناس.