قال صاحب النزهة: واتفقت بعد ذلك نكتة غريبة وهى أنه كان رجل مشهور بالصلاح والمكاشفات، وقد كان وقعت منه أمور غريبة فى نوبة الشجاعى وكتبغا قبل وقوع أمرهما، وكان لا يتكلم مع الناس، ولا يأخذ شيئا من أحد، وأكثر اجتماعه كان مع الأمير سلاح، ولكنه ما كان يتكلم معه، فإذا أخذ منه شيئا كان يفرقه على ذوى الحاجات. وكانت عادته أنه إذا ظهر أمر مما قدره الله تعالى من الخير والشركان قبل وقوعه يلبس شيئا يناسب ذلك الأمر وكان يعرف بالشيخ الحبشى، وكثيرا ما كان يمشى فى الأسواق وعلى رأسه كلوتاه كشف.
قال: ورأيته فى ذلك اليوم حين وقع السيل جالسا خلف دهليز السلطان، ثم مشى ومشيت معه إلى قريب المطبخ السلطانى، فجلس فى مكان يرمى فيه العظام التى تفضل من السماط، فصار يأخذ العظم ويمشمشه. ثم ينظر إلى السماء ويهز رأسه ويقول: والله قربوا وأشار بيده إلى السماء، ثم أشار إلينا وقال:
أبصروا أبصروا وقد جاءوا، فنظرنا إلى السماء، ولا ترى السماء فكانها قد سترت بالغمام من الجراد، فاستد ما بين السماء والأرض، (١) حتى اشتغل بالنظر إلى ذلك جميع الناس، ووقع الصياح فى الوطاق، وخرج السلطان وسائر الأمراء من الخيم ينظرون إليه، ويتعجبون من ذلك ومن كثرته.
فحكى شخص هناك أنه لما كان صغير السن شاهد فى بلاد الخطا جرادا مثل هذا، وإنه كان هناك رجل كبير السن أخبر أن هذا الجراد ما دخل على مكان فيه عسكر إلا وقد طرقهم أعداؤهم، ويحصل بذلك خذلان وينتصر أعداؤهم