فى أمر المماليك، وأنه ما نرحل حتى ينجز الأمر معهم وافقه على ذلك، ثم اجتمعوا بالأمير جوكندار وقالوا له: إن من المماليك السلطانية من يرضى الفتنة [١٨٥]، ومنهم من كانوا وافقوا الأويراتية، فرأى الجوكندار أن مخالفتهم فى ذلك الوقت تؤدى إلى فساد كبير، فطاوعهم على ما قالوا، واجتمعوا ودخلوا على السلطان وقالوا: إن ههنا صبيانا من المماليك يقصدون الفتن بيننا وينقلون الكلام الفاسد، ونريد أن نطمئن من جهتهم فى السفرة، فقال لهم السلطان:
ما الذى يفعل بهم؟ فقالوا: يرسلهم مولانا السلطان إلى الكرك فيقيمون هناك إلى أن نعود من السفر فنأخدهم إلى مصر معنا، فإذا دخلنا مصر يفعل السلطان فيهم بما يرى، فأجاب إليهم السلطان، فأمر عند ذلك بطلب جماعة فأحضروهم وسيروهم إلى الكرك صحبة النقباء ورسم السلطان بحبسهم هناك.
ثم بعد ذلك رحل السلطان بعساكره من تل العجول إلى قرتيا (١) وضربوا الدهليز هناك، وأمروا بالإقامة هناك إلى أن يكشفوا أخبار العدو من النواب.
واتفق فى تلك المنزلة أمر غريب من مجئ سيل عظيم من رءوس الجبال فى ضحوة النهار على غفلة فأخذ من الجمال والحيل والخيم والأثقال شيئا كثيرا، فوقعت ضجة عظيمة فى العسكر، ومن لطف الله تعالى أنه كان من فرد جانب، فاستمر ذلك إلى وقت العصر من ذلك اليوم. وانفسد حال جماعة كبيرة من العسكر، ومنهم من أصبح فقيرا لا يملك شيئا، فتطيرت الناس بذلك وقالو: لا يحصل خير فى هذه السفرة.
(١) قرتيا: قرب بيت جبرين بفلسطين - معجم البلدان ووردت «قرتية» فى السلوك ج ١ ص ٨٨٥.