للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحده برصم ركوبه وخدمته، ولم يسمع منهم فركبه، فلما قعد على ظهره ألوى عنانه (١) نحو العدو وقال للأمراء: من أراد الشهادة فليتبعنى، فرجعت الأمراء إليه وسألوه أن يرجع فأبى وقال: والله كنت منتظرا لهذا اليوم، وقال له الأمير علم الدين الدوادارى (٢) - وكان قد خرج فى مواضع كثيرة -: يا أمير أنت اليوم قوام العسكر وأتابكه، وما فينا أحد إلا وقد جرح جراحات ومعظم مماليكنا قد قتلوا، وما يحل أن تلقى نفسك فى التهلكة، فلم يلتفت إليه، بل قال: يا أمير ما بقى فينا شئ، فهل تنتظر خلاف هذا اليوم؟ فتقدم نحو العدو، واتفق رأى مماليكه على منعه وساق بعضهم إليه وأخذ برأس فرسه إلى نحو حمص وبعضهم [١٩٨] ضرب كفل فرسه بالمقرعة، فخرج من تحته مثل البرق الخاطف، وأرادوا بذلك إبعاده عن الفرس حتى يأخذوا بعنانه ويتوجهوا إلى طريق النجاة، فلما أحس الفرس بالضرب فرّ مثل الريح العاصف حتى لم يروا منه إلا غباره، ولم يزل يجرى على ميدان واحد إلى أن وصل إلى نهر حمص، فقوى عليه العطش من كثرة الجرى وشدة العدو إلى أن أرمى نفسه فى النهر، وشرع يعبّ من الماء، وأمير سلاح ماسك بيديه الشنن رافعه على أن يرفع رأسه من الماء فلا يرفع، فشرب حتى انتفخ فؤاده، ثم طلع من النهر ووقع طائحا وقد انفقع من شرب الماء، فلحقه مماليكه وأركبوه جنهبا آخر، فكان هذا يعد من حسناته حيث اشترى فرسا بمائتى ألف درهم لركوب ساعة واحدة.


(١) العنان - الأعنة، من أجزاء اللجام: وهو الجزء الذى يقبض عليه الفارس - الخيل ورياضتها ص ٨١.
(٢) «الديوادارى» فى الأصل، والتصحيح مما سبق.

<<  <  ج: ص:  >  >>