فلما كان يوم الجمعة أخذ الخطيب ما يملكه من ماله وحلى نسائه، وأحضره معه إلى الجامع وارتقى المنبر فنادى فى الناس قائلا: يا معشر المسلمين نحن قد ابتلينا بهذا العدوّ الذى دهمنا وما لنا فيه من يعصمنا، فابذلوا أموالكم واشتروا نفوسكم بنفائسكم، واسمحوا بما عندكم لنجمع من بيننا شيئا نفدى به نفوسنا وحريمنا وأولادنا، ثم بكى، وبكى الناس، وسمح كل أحد بما أمكنه، فجهّز الخطيب المذكور الإقامات، وخرج إلى مخيّم بيجو فلم يصادفه لأنه كان راكبا فى الصيد، وقدم ما كان معه إلى الخاتون زوجته فقبلته منه، وأقبلت عليه، وأكلت من المأكول، وقدم المشروب وأخذ منه شيئا على سبيل الششنى (١)، فناوله شابّا إلى جانبه ليذوقه، فقالت له: لماذا لا تشرب أنت منه؟ فقال: هذا محرّم علينا. قالت: من حرّمه؟ قال: الله تعالى حرّمه فى كتابه العزيز. قالت:
فكيف لم يحرّمه علينا؟ قال: أنتم كفّار ونحن مسلمون. فقالت له: أنتم خير عند الله أم نحن؟ قال: بل نحن، قالت: فإذا كنتم خيرا منا عنده فكيف نصرنا عليكم؟ فقال: هذا الثوب الذى عليك، وكان ثوبا نفيسا مرصّعا درّا ثمينا، أنت تعطينه لمن يكون خاصّا بك أو لمن يكون بعيدا عنك. قالت: بل أخصّ به من يختصّ بى. قال: فإذا أضاعه وفرّط فيه ودنّسه ما كنت تصنعين به؟ قالت: كنت أنكّل به وأقتله. فقال لها: دين الإسلام بمثابة هذا الجوهر والله أكرمنا به فما رعيناه حق رعايته، فغضب علينا وضربنا بسيوفكم [٣٨٥] واقتص منا بأيديكم، فبكت زوجة بيجو فقالت للخطيب: من الآن تكون أنت أبى وأنا أكون بنتك. فقال: ما يمكن هذا حتى تسلمى، فأسلمت على يده،