صار يقع فى حق القاضى زين الدين بن مخلوف قاضى القضاة المالكية ويسبّه، ويبلغه ذلك عنه، وبلغ من أمره إلى أن شهدت عليه عنده جماعة كثيرة ممن حضروه: أنه كان عزم على جماعة فى بيته وأطعمهم طعاما، وأنه قام إلى رف عنده فى البيت يتناول منه شيئا فقصرت يده عنه، فوضع الكتاب العزيز تحت رجليه ليطول إلى الرف، فقاموا وأنكروا عليه، فشرع فى سبّهم بأنهم ناس حمير، ثم تلفظ بعد ذلك بالكفر، فشهدوا عليه عند القاضى زين الدين، وكتبوا محضرا بأمور، ثم أتوا بها إلى قاضى القضاة تقى الدين، فلما وقف عليها قال: ما المراد من هذا؟ قالوا: يا سيدى إثباتها. قال: ما أفتى فى رجل يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ورماها من يده. فتوقف حال إثباتها.
وسعت جماعة كثيرة ممن كانوا يعنون بابن البققى (١) من جملتهم ناصر الدين الشيخى وجماعة من أكابر القبط وغيرهم وسألوا القاضى زين الدين فى أمره بأن يستتيبه، وسعوا فيه بشئ كثير حتى أرادوا أن يثبتوا له جنونا ليتخلص من هذه الورطة، فكتبوا محضرا وشهدت فيه جماعة كثيرة ممن يسمع قولهم، وأرادوا أن يثبتوه على قاضى القضاة الشيخ تقى الدين لما رأوا عنه الإعراض من إثبات كفره، وفهموا أيضا أن للشيخ به عناية، فأحضروا المحضر إليه، فلما وقف عليه رفع رأسه وقال: من يجعل المولى فتح الدين مجنونا؟ ما نعرفه إلا رجلا عاقلا، ثم لما أحضروا المحضر إلى القاضى زين الدين ونظر فيه خلاه إلى جانب منه وتفكر فى أمره، وأقتضى رأيه أنه يصلى تلك الليلة صلاة الاستخارة ويسأل الله فى أمره، فلما نام تلك الليلة رأى كأن جماعة جاءوا إليه وبينهم كلب أسود