ومن الغرائب أن أقوش هذا كان فيه من الكبر والحمق ما لا يوصف، ومن الظلم وقتل النفس ما لا يعد، وكان [٢٦٤] هو الذى زين هذا الشينى من عنده بأفخر زينة وأكمل عدة، وعند نزوله إليه قدمت له الاسقالة، فمشى عليها إلى أن جلس، ثم عند الخروج استعجل، فقال له الرئيس: طول روحك ياخوند، فانحرف وشتمه وقال: اخرج لا كتب الله علينا بالسلامة ولا أحيانا أن نرد إليهم.
قال الراوى: وأغرب من ذلك أن هذا الشينى انحدر إلى أن وقف عند بولاق وبقى هناك ثلاثة أيام مقلوبا إلى أن ركب والى الصناعة والرئيس ومعهم رجال، فجاءوا إليه وأقلبوه ووجدوا زوجة الرئيس وولدها وهى ترضعه وهما بالحياة، فسألوها عن حالها فقالت: إن الشينى لما انقلب لم يحصل عليها تشويش أصلا ولا بذل عليها من الماء، فتعجبوا من ذلك وقالوا: قدرة الله أعظم من هذا.
ثم رسم السلطان بأن يجهز شينى آخر عوض ذلك، فجهزوه وكانوا قد أحضروا رؤساء من الإسكندرية ودمياط، ثم سافروا إلى أن وصلوا إلى طرابلس ودقت بوقاتهم، ووجدوا أهل طرابلس أيضا قد تجهزوا كما ينبغى مما يحتاجون إليه من العدد والنفط وآلات الحصار، ثم ركبوا نصف الليل ورئيت لهم الجزيرة وجه الصبح، وصاحوا بالتكبير والتهليل، وزعقت البوقات والطبلخانات، وقاموا فى المقاديف قومة رجل واحد، فتوجه كل مركب بمقدمه على الميناء ونفر الفرنج أيضا، فبينما يركبون مراكبهم سبقت مراكب المسلمين بمقدميها (١).