ولم يزالوا فى القتال إلى أن توسطت الشمس من نهار الأحد، وانفصل القتال بينهم، وطلع قطلوشاه ومن معه من التتار وقد قاسوا نهارا عظيما، وقتل منهم نحو ثمانين رجلا، وخرجت جماعة وركبتهم الذلّة، وقاسوا من قلة الماء أمرا عظيما لأنهم لم يحسنوا انحصارهم على الجبل، فما أخذوا من الماء إلا قليلا، ولما رأوا ذلك أجمعوا على النزول بكرة النهار، فمن مات مات ومن له أجل عاش، وذبحوا من خيولهم وشووا وأكلوا.
ولما أصبحوا اعتمدوا على النزول، وهرب منهم ناس من الأسرى وجاءوا إلى السلطان وأخبروه بما هم فيه من الذلة والعطش والخوف، وأنهم اتفقوا على أن يصدموا الجيش، وأنهم قد تحققوا الموت، فعند ذلك تشاور أكابر الأمراء، ووقع رأيهم على أن يفسحوا لهم طريقا ولا يتقرب إليهم أحد إلى أن ينزل الجميع قدام العسكر، ثم يركبون ظهورهم.
ولما أرادوا النزول رأوا جماعة من المغل قد عدمت خيولهم وبقوا رجالة، وما بقى مع أحد من الأمراء فضلة خيل، فاتفقوا أن يأخذوا خيول الأرمن الذين معهم، فأخذوا منهم نحو مائتى فرس وأعطوا هؤلاء، ثم شرعوا فى تجهيز حالهم إلى الساعة الرابعة من النهار، ثم ضربوا طبولهم ونزلوا، وكل منهم قد أعدّ نفسه للموت وتموا سائقين إلى أن وصلوا إلى النهر، ورموا خيولهم فيه، فمن كان فرسه قويا طلع، ومن كان فرسه قليل القوة وقف فيه، ولما طلعوا [٢٨٨] منه تبعتهم خيول المسلمين، وأنزل الله عليهم الذلة والمسكنة، ومزّقت جموعهم، وتفرقوا بحيث لم يلتفت أحد إلى أحد.
وكانت تلك الأراضى وعرة كما ذكرنا لا يتمكن الفرس من حط رجلها إلا على حجر، فقاست خيول المسلمين من ذلك شدة.