للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كلامه، وليس يخفى عنا مقصده ومرامه، فأرسلنا إليه ما طلب، وركبناه فرس البغى فيابئس ما ركب.

فما كان إلا عند وصول رسلنا إليه، فجهز عسكره وأظهر من الغدر مالم يكن يخفى عليه، وأمرهم بما عاد وباله عليهم، وحرضهم على ما وجدوه حاضرا لديهم، ثم تقدّم معهم وعدى بهم ماء الفرات، وجهزهم ورجع، وعلم أن الغلبة من قراه، فما كان إلا أن دخلوا البلاد، وعملوا بما أمرهم من الفساد، وتفرقت خيولهم فى الأطراف والأوقاف، وقطعوا أيدى الأشجار وأرجل الزروع من خلاف، ونزلوا بالقرب من حلب، وشنوا الغارات وجدوا فى الطلب، وجيوشنا الشامية لهم بالمرصاد، قد أخلصوا لله تعالى نية الجهاد، وهم يتقدمون إليهم كل وقت ويظهرون لهم الضعف والتأخير ليتوسطوا البلاد ويحصل هناك التدبير، فعاد منهم تومان إلى القريتين، فجهز من جيوشنا إليهم ألفان، فوجدوهم قد أخذوا أغنام التركمان، فوافوهم بالقرب من عرض فكانا كفرسى رهان، فلم يلبث الباغون {ساعَةً مِنَ النَّهارِ} (١)، حتى عجل الله بأرواحهم إلى النار، وبقيت أجسادهم ملقاة بأرض عرض إلى يوم العرض، ولم يفلت منهم إلا من يفعل الخير إنهم قد صاروا أخيارا، ثم أخذ منهم جماعة أسارى: كرج، وأرمن، ومغل، ونصارى.

فما أقنعهم ذلك، ولا اكتفى بأرواحهم مالك، [٢٩٢] وهموا طالبين الغوطة، ولم يعلموا أن من دونها رماحا مشروعة وجيادا مربوطة، وعساكر يتأخرون عنهم قليلا بعد قليل، وجيوشنا ترصدهم بالغداة والأصيل، فلما عاينوا دمشق المحروسة ظنوا أنهم بدخولها يستبشرون، وما علموا أنهم من حولها إلى


(١) جزء من الآية ٣٥ من سورة الأحقاف رقم ٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>