للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جهنم يحشرون، فعبروا عليها وطلعوا إلى جبل يعرف بالمانع، فأخذ الرعب من قلوبهم بالمجامع، وتحققوا أن نتيجة الغدر الهلاك، وأن مصرع البغى ليس لهم منه فكاك، فمالوا إلى جانب البرية للفرار، وطلبوا أطراف الميمنة للذلة والانكسار، فضربت عليهم جيوشنا حلقا، وسلبوهم أثواب الحياة والبقاء، ودارت بهم الخيول وبثت سنابكها سماء من العجاج نجومها الأسنة، فطارت إليهم عقبان من الجياد قوادمها القوادم وخوافيها الأعّنة، وتصوّبت عيون السمر إلى قلوبهم كأنها تطلب سويداها، وقصدت أنهار السيوف أكبادهم فكأنها أرادت تروى صداها، فشربوا كأس المنون لما تبلجت صفحات الصفاح، وعانتهم عيون الرماح، وأنشأت لهم الحوافر غمامة من الغبار، ونزلت عليهم أمطار من السهام كمطار الشرار، وأخذتهم رعود من الصّهيل، وأبرقت فى جوانبها بروق من كل سيف صقيل، ولم تغب الشمس حتى افترشوا أديم الأرض والوعر والسهل، والتجأ من بقى منهم إلى جبل يعصمهم من القتل، وباتوا عليه ليلة الأحد، وأيقنوا أن ليس ينجو منهم أحد، وندموا حيث لا تنفعهم الندامة، وأيسوا من الخلاص وقنطوا من السّلامة، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وظنوا أن أرواحهم من أجسادهم قد ذهبت، ونادوا بلسان حالهم، وقد قربت مدّة آجالهم، اعتقنا أيّها الملك الرحيم، واعف عنا أيها الملك العظيم، فإننا جميعنا مسلمون ولا تؤاخذنا بما جناه كفارنا المسرفون، فإننا منهم بريئون، فأردنا أن يطلب النصر من حيث عوّدنا من العفو، فأمرنا جيوشنا أن تفتح لهم طريقا ليذهبوا، وتركناهم من فعالنا يتعجبوا، ففروا فرار الشاة من الأسد، ولم يلتفت منهم والد إلى ولد

<<  <  ج: ص:  >  >>