للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلو رأيت أيها الملك ذلك اليوم، لبقيت زمانا يروعك رؤياه فى النوم، وما كنت ترى من جيشك إلا قتيلا أو أسيرا {وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً} (١) فلله درّه من يوم تصاحب فيه الذئب والنسر، والقيد والأسر، وهلك الذين هم ديوية الفرسان، قد قادهم الذل والصغار ورعاة العربان، والكرج قد لحقت بقية آثارهم، وعجل الله بدمارهم، والأرمن وقد سيق من سلم منهم فى القيود إلى خزانة البنود (٢).

ولو نظرت عيناك ما جرى من أرض حوران إلى الفرات، لراعك وأرعبك من الهول ما كنت تراه، ولو رأيت أصحابك كيف بقوا طعم الرخم والذباب، لقلت من هول ما شاهدت: {يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً} (٣)، وكيف لك بالتراب؟ ولكن روعك من السماع أسهل عليك من العيان، [٢٩٣] فنظرك إلى من عاد إليك من أصحابك يكفيك فى البيان، وإنما لو حضرت لرأيت ذلك المقام مشهود، الذى فيه الملائكة شهود.

ولقد نصحنا لك أيها الملك فما ارعويت، وبذلنا من القول فما رعيت، وركبت من خيل البغى أجرى كميت، وقلنا لك إن من جرد سيف البغى كان به المقتول، فلم تع القول ولم تصغ لمن يقول، فاستيقظ لنفسك، وتلق هذه المصيبة التى تدخل بها إلى رمسك، ولا يغرك بالله الغرور، واعلم أن ذلك فى


(١) جزء من الآية ٢٦ من سورة الفرقان رقم ٢٥.
(٢) خزانة البنود: أنشاها الخليفة الظاهر الفاطمى بالقاهرة فيما بين قصر الشوق وباب العيد لخزن وصنع أنواع البنود من الرايات والأعلام، ثم احترقت سنة ٤٦١ هـ‍، وجعلت بعد ذلك حبسا للأمراء والوزراء والأعيان، وفى العصر الأيوبى أصبحت منازل للأسرى من الفرنج وغيرهم - صبح الأعشى ج‍ ٣ ص ٣٥٤، المواعظ والاعتبار ج‍ ١ ص ٤٢٣.
(٣) جزء من الآية رقم ٤٠ من سورة النبأ رقم ٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>